آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

التخريب.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

القناعات الفكرية تلعب دورا رئيسيا، في اتخاذ القرارات الحياتية، وكذلك في المواقف السلوكية، فهذه المعتقدات تترجم على شكل الممارسات اليومية، فاذا كانت إيجابية وعقلانية فانها تظهر على مجمل العلاقات الاجتماعية، بينما المعتقدات الخاطئة تدفع صاحبها نحو انتهاج السلوك التخريبي على الصعيد الخارجي، ”ما اضمر امرئ من شيء الا ظهر على قسمات وجهه وفلتات لسانه“.

السلوك التخريبي مرتبط بمجموعة القناعات الفكرية، فالمرء ينطلق في الغالب من مرتكزاته الثقافية، مما يدفعه لاتخاذ العديد من القرارات الصعبة أحيانا، وغير المتوقعة تارة اخرى، لاسيما وان تلك الممارسات الحياتية تسير بعكس التيار الاجتماعي، بحيث تشكل صدمة كبرى للبيئة الاجتماعية، خصوصا وان الواقع الاجتماعي يرفض الكثير من الممارسات التخريبية، باعتبارها معول هدم وفضلا عن كونها وسيلة للقضاء على الانسجام الداخلي، الامر الذي يفسر حالة الرفض الاجتماعي تجاه الممارسات التخريبية، نظرا للتداعيات المترتبة على تكريس هذا السلوك في العقل الجمعي، وبالتالي فان محاولة إيقاف السلوك التخريبي يخدم البيئة الاجتماعية، ويضع حاجزا سميكا امام بين أصحاب السلوك التخريبي، ومختلف الشرائح الاجتماعية، مما يسهم في حماية الثقافة الاجتماعية من تأثيرات هذا السلوك الخارجي.

اللجوء الى التخريب ينطلق من اهداف مختلفة، بعضها ذات أغراض شخصية، والبعض الاخر مرتبطة بالبيئة الاجتماعية، فالبعض ينتهج السلوك التخربيي كطريقة سهلة لتحقيق بعض الأهداف الشخصية، ومحاولة السيطرة على فئات اجتماعية، لاسيما وان السلوك السليم لا يلبي الكثير من الاطماع الخاصة، مما يدفعه لانتهاج الوسيلة ”الترهيبية“ تجاه البيئة الاجتماعية، بواسطة استخدام العصا والسيف مع الشرائح الاجتماعية، من خلال اعتماد ”العين الحمراء“ تجاه الأطراف المعارضة، او غير الموافقة على مثل هذه الطريقة، في التعاطي مع الاخرين في العلاقات الخارجية.

بالإضافة لذلك، فان البيئة الاجتماعية تدفع بعض الأشخاص للتعامل بطريقة ”تخريبية“، خصوصا وان المواقف غير المهادنة تمثل مدخلا لاتخاذ هذا السلوك، في التعاطي مع الاخرين، وبالتالي فان الأحقاد الداخلية الناجمة عن العلاقة المتوترة، تدفع باتجاه الامعان في السلوك الخاطئ، بالإضافة الى العمل على الاضرار بالمحيط الاجتماعي، من خلال الممارسات اليومية، انطلاقا من الأحقاد الشخصية، بهدف تشويه الصورة الأخلاقية للمجتمع، وعدم الاستجابة للدعوات الصادقة، لترطيب الأجواء وإعادة المياه الى مجاريها مجددا، وبالتالي فان الامراض النفسية تشكل احد الأسباب وراء الانغماس، في عمليات التخريب تجاه البيئة الاجتماعية، مما يستدعي إيجاد الوسائل لقطع الطريق امام هذه الفئة لتصحيح أوضاعها، والعمل على تقليص الفجوة عبر المساعي الحميدة.

العلاقة المتوترة القائمة بين أصحاب السلوك التخريبي والبيئة الاجتماعية، ثغرة كبرى ونقطة سوداء على المدى القريب والبعيد، لاسيما وان التغافل عن جسر هذه العلاقة، يسهم في تفاقم الأمور بشكل كبير، الامر الذي يكرس العداء لدى احد الأطراف تجاه الاخر، مما يدفع باتجاه الاضرار بالبيئة الاجتماعية، من خلال اتباع الوسيلة التخريبية كنوع من الانتقام، جراء العلاقة غير الطبيعية القائمة بين الطرفين، وبالتالي فان التعامل الحكيم في تقريب وجهات النظر، وامتصاص العلاقات المتوترة بطريقة عقلانية، يساعد في إعادة ترتيب مجموعة القناعات السلوكية، ”جبلت القلوب على حب احسن اليها“، فالمجتمع الذي يمارس الابوية الكاملة تجاه كل فرد، يقضي على أسباب التوتر، ويمهد الطريق امام انتهاج السلوك السليم، وينسف التفكير التخريبي، سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة.

طبيعة العلاقة القائمة على الاحترام المتبادل بين افراد المجتمع، تساعد في وضع الأمور في النصاب، وتحكم الممارسات الخارجية بين الفئات الاجتماعية، فالمجتمع الذي يتحرك باتجاه تكريس السلوك الصالح لدى الفرد، عبر نشر ثقافة الاحترام الكامل للخيارات الفكرية، يضع الجميع امام المسؤوليات الكاملة تجاه البيئة الاجتماعية، مما ينعكس بصورة مباشرة على طبيعة التحركات السلوكية للافراد، فيما يتعلق بالقرارات اليومية، سواء على الصعيد الشخصي او الاجتماعي.

كاتب صحفي