آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

القناعة.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

تشكل القناعات احد المحفزات لاقتحام الاخطار، وعدم الالتفات الى الصيحات التحذيرية، التي تنطلق بين فترة وأخرى، بيد ان القناعات قابلة للتبدل تبعا لمستوى النضج، وكذلك نتيجة النتائج غير المشجعة، مما يدفع للمراجعة سواء الشاملة او الجزئية، بهدف الوقوف على الثغرات والعمل على سدها، او محاولة تصحيح بعض الأخطاء، وبالتالي فان القناعة ليس قرآنا منزلا او قدرا محتوما، مما يفتح الطريق امام الاخذ والرد في جميع الأوقات.

مبدأ احترام القناعات الشخصية مكفول، ومطلوب على الدوام، فالاحترام المتبادل للافكار يسهم في إرساء قواعد اجتماعية ثابتة، فيما يتعلق بطبيعة العلاقات القائمة بين الفئات الاجتماعية، وبالتالي فان التهجم على القناعات الأخرى يفضي للانقسام الداخلي، وتكريس العداء داخل جسد المجتمع، بيد ان الاحترام لا يستدعي التغافل عن مناقشة تلك القناعات، باعتبارها الوسيلة المناسبة للتلقيح، وإزالة الشوائب العالقة على جسمها، لاسيما وان الحوار يساعد في اماطة اللثام عن بعض الجوانب غير المرئية، مما يسهم في تسليط الضوء عليها بشكل مكثف، بحيث يقود الى المراجعة الجادة في نهاية المطاف، الامر الذي يخدم البيئة الاجتماعية، ويثري التجربة الفكرية البشرية بشكل عام.

التغاضي عن الأخطاء وعدم المراجعة، لا تصب في مصلحة المرء، سواء على الصعيد الشخصي او الاجتماعي، فالتعصب يجلب معه الكثير من الويلات والمزيد من الكوارث، مما يستدعي التحرك بشكل متوازن وعقلاني، بهدف الاستفادة من الأخطاء، والعمل على إيجاد الصيغ المناسبة، لترتيب البيت الداخلي، لاسيما وان التعصب الاعمي يعطي انطباعات سلبية، الامر الذي يقطع الطريق امام محاولات وضع الأمور على الجادة السليمة، وبالتالي فان، التمسك بالقناعات الشخصية لا يعني الإصرار على الأخطاء حتى النهاية، ”الاعتراف بالحق فضيلة“، فالمرء القوي لا يخشى الاعتراف بالخطأ، فيما الانسان الضعيف يحاول الهروب للامام، بواسطة الإصرار على ارتكاب الهفوات، والتمسك بمبدأ ”عنزة ولو طارت“.

القناعات تمثل قراءة مستفيضة للكثير من الآراء، والأفكار المستمدة من التجارب السابقة، مما يجعلها قابلة للتعديل تبعا للظروف المكانية والزمانية، فالظروف الاجتماعية تلعب دورا أساسيا، في تحديد مسارات بعض القناعات، بحيث تتحول الى عبء ثقيل على العديد من الفئات الاجتماعية، بمجرد وضعها في مكان لا يليق بها، مما يستدعي التحرك لاعادة تقييمها بشكل جاد، ومنع تحويلها الى ”صنع يعبد“، خصوصا وان تلك القناعات نتاج فكري بشري، برزت للسطح نتيجة ظروف اجتماعية، وبالتالي فانها محكومة بالتآكل التدريجي مع تلاشي بعض العوامل، الداعمة لبقاءها في البيئة الاجتماعية، الامر الذي يتطلب تحكيم العقل في دراسة القناعات، عوضا من التحرك وفقا للمشاعر العاطفية.

دراسة التحولات الاجتماعية تمثل مدخلا أساسيا، في إعادة رسم القناعات الذاتية، فالمراجعة الجادة تفضي للكثير من الإشكالات الأساسية، الامر الذي يمهد الطريق باتجاه وضع القدم على بداية الجادة الصائبة، فيما ستكون الأمور اكثر سوء بمجرد إدارة الظهر للتحولات الاجتماعية، سواء نتيجة التعصب الاعمى غير المبرر، او بسبب الخوف من الاعتراف بالخلل الكبير، في العديد من القناعات الذاتية، الامر الذي يقود الى الانحراف الكبير عن الطريق، وإضاعة الفرصة لتصويب الأمور، بمعنى اخر، فان الاستفادة من الظرف الزماني عنصر أساسي، في إعادة برمجة القناعات الذاتية، بما يعود على الشخص بالفائدة، نتيجة تدارك الوضع وعدم السماح بتفاقم الأمور بشكل اكبر، الامر الذي يسهم في احداث تغييرات جذرية، في بنية التفكير الذاتي.

الثقافة الاجتماعية تمثل السلاح الأكثر قدرة، على تصويب القناعات الذاتية، باعتبارها المحرك نحو انتهاج الطريقة المثلي، في تصحيح بعض القناعات لدى الفئات الاجتماعية، خصوصا وان أسلوب الهجوم العنيف والمباشر يعطي نتائج سلبية، جراء تمسك كل طرف بقناعاته الخاصة، كوسيلة للدفاع عن النفس، بينما الحوار الهادئ والهادف يعطي النتائج الإيجابية، من خلال التصويب على الأخطاء بشكل عقلاني، بعيدا عن الاقصاء غير المبرر.

كاتب صحفي