آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

آفة الجهل

محمد أحمد التاروتي *

يمارس البعض أدوارا تتجاوز قدراته العقلية، ومكانته العلمية، مما يجعله فريسة سهلة لتلك الأوهام غير الواقعية، حيث يخرج بين فترة وأخرى بقناعات لا تمت للاسس العملية بصلة، بهدف احداث ”فرقعات“ إعلامية، وأحيانا بالونات اختبار اجتماعية، من خلال جس النبض الاجتماعي، ومحاولة قراءة ردود الأفعال، لاسيما وان تلك القناعات تشكل صدمة كبرى على الصعيد العملي والعقلي، مما يجعلها غير مهضومة اجتماعيا في الغالب.

القناعات الفكرية حق مكتسب للجميع، باعتبارها عملية ذات علاقة بطبيعة التطور الفكري البشري، بيد ان بعض القناعات تتجاوز الخطوط الحمراء، لتدخل في المناطق المحظورة، مما يجعلها غير مقبولة ومستهجنة لدى الطيف الاعم، لاسيما وان القناعات الفكرية المتسقة مع التفكير العقلاني، والثوابت الدينية، تجد أصداء متفاوتة، ولكنها تبقى دائرة الرأي والرأي المضاد، بخلاف القناعات المضادة للفكر العقلاني، فهي تنم عن جهل كبير، وضياع في تحديد بوصلة الأهداف، سواء على الصعيد الديني او الاجتماعي.

عملية القفز على الثوابت الدينية والاجتماعية المنسجمة مع المبادئ الأخلاقية، لا تحدث دفعة واحدة او بشكل مفاجئ،، اذ تسبقها الكثير من الارهاصات والمقدمات، مما يعطي إشارات بعضها سلبي والبعض الإيجابي، فالبعض يقرأ تلك الإشارات بشكل معاكس، مما يدفعه للانغماس غير المدروس في السير بعكس التيار العقلاني، بحيث تظهر على شكل اطلاق بعض القناعات المفاجئة والصادمة للبنية الفكرية الاجتماعية، وبالتالي فان محاولة الظهور بقناع جديد يعاكس الثوابت الدينية، ينم عن قصور في النظرة، وأحيانا جهلا كبيرا في التعامل العقلاني، مع بعض النظريات العقدية ذات الارتباط المباشر، مع العقل الجمعي الاجتماعي.

الجهل المركب مرض خطير، يقود صاحبه للكثير من المشاكل، ويدخله في متاهات مظلمة، سواء نتيجة رفض جميع الآراء ”الناصحة“، او بسبب الأوهام الكبيرة المعشعشة في تفكيره البعيد عن الواقع الاجتماعي، بحيث يظهر على الكثير من الممارسات الفكرية، والعديد من الأفكار الخاصة غير المقبولة، وبالتالي فان الخروج من مأزق الجهل المركب يتطلب طرد تلك الأوهام المضللة، وكذلك محاولة الاستماع للاراء الصادقة، فالاصرار على مواصلة بعض القناعات غير العقلانية، يكرس الضياع الذاتي والنفور الاجتماعي، الامر الذي يمهد الطريق لاحداث حالة من الخصومة، مع البيئة الاجتماعية.

المكانة الاجتماعية ليست مبررا لنسف الثوابت الدينية، او المبادئ الأخلاقية، فالنفوذ الاجتماعي يكرس في خدمة البيئة الاجتماعية، عوضا من تسخيره في ضرب القيم الأخلاقية، لاسيما وان الدخول في صراع مباشر مع المنظومة القيمية الاجتماعية، يكشف طبيعة التفكير لدى تلك الشريحة، تجاه بعض الثوابت الدينية، بحيث تبرز على شكل قناعات شاذة، وليست مألوفة على الاطلاق، وبالتالي فان محاولة الاستناد على المكانة الاجتماعية للحصول على التأييد الشعبي سلاح خطير، نظرا لما تحمله هذه العملية من مخاطرة كبرى، بمعنى اخر، فان كسب القاعدة الشعبية ليس مضمونا على الاطلاق، بقدر ما يمهد الطريق لفقدان جزء كبير من الأصوات الداخلية، خصوصا وان الثوابت الدينية من المناطق المحرمة، والتي ينبغي تجنب الخوض فيها، مما يستدعي وضع هذه الأمور في الاعتبار على الدوام.

المجتمع بامكانه إعادة الامور الى المربع الأول، من خلال اتخاذ الموقف الحاسم تجاه التلاعب، في الثوابت الأخلاقية عبر استخدام شعارات ”الحرية الفكرية“، فالثوابت الدينية ليست قابلة للمزايدات في ”بازار“ الصالونات المغلقة، التي تقودها بعض الفئات التي تمارس أدوارا تتجاوز المكانة العلمية، وبالتالي فان وضع النقاط على الحروف يمثل الخيار الأنسب، في اسكات تلك الأصوات الشاذة، فيما التعاطي بخجل مع تلك الفئات يشجع على التمادي، ويسهم في بث القناعات المدمرة للمنظومة القيمية في المجتمع.

تبقى آفة الجهل احدى المحركات الأساسية، وراء التجاسر على التشكيك في الثوابت الأخلاقية، الامر الذي يستدعي إزالة تلك الآفة لاحداث صحوة حقيقية، للقضاء على هذه اللعبة الخطرة، على الفرد والمجتمع في الوقت نفسه.

كاتب صحفي