آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

الشكر.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

التعبير عن الامتنان يتخذ اشكالا متعددة، بعضها يتجسد بشكل عملي، عبر رد الجميل بطريقة مماثلة او مختلفة، والبعض الاخر يتمثل في انتهاج سياسة التعامل الراقي، بهدف إيصال رسالة واضحة المعالم، تتمثل في مقابلة الاحسان بمثله من المفردات الجميلة، وبالتالي فان عملية الشكر لا تقتصر على وسائل محددة، او التقوقع ضمن إطارات ضيقة، خصوصا وان اظهار الشكر من الممارسات الابتكارية على الدوام، فهناك الكثير من الوسائل القادرة على احداث الأثر الإيجابي، في النفوس والتي تظهر رد الجميل.

انكار الجميل من الاخلاقيات الشريرة، فالمرء الذي يجحد الاحسان يكشف عن المستوى الأخلاقي المتدني، ”جبلت القلوب على حب من احسن اليها“، وبالتالي فان ”عض اليد الممتدة“ يمثل قمة الدناءة الأخلاقية، الامر الذي يفسر النفور الاجتماعي تجاه الممارسات الجاحدة تجاه المحسن، لاسيما وان المرء ينتظر من الاخر التعبير عن الشكر بطرق مختلفة، ”لا نريد منكم جزاء ولا شكورا“، مما يستدعي تكريس حالة التعاطي الحسن مع الاحسان، عوضا من اتخاذ موقف النكران والجحود.

تكريس ثقافة الشكر في البيئة الاجتماعية، تمثل احدى المظاهر الإنسانية الراقية، والقادرة على تجسيد القيم الأخلاقية الفاضلة، فالمرء الذي يتعاطي بمسؤولية واحترام كبير، يعمد لاتخاذ السبل القادرة على تكريس المحبة في القلوب، من خلال إعطاء ”كل ذي حق حقه“ والابتعاد عن الممارسات غير الأخلاقية، لاسيما وان المواقف الحسنة تكشف نوعية المثل والثقافة، التي تحرك الانسان في الحياة، فاذا كانت ذات طبيعية أخلاقية فانها تسهم في اعلاء الشأن في البيئة الاجتماعية، وتكرس القيمة الإنسانية في الوسط الاجتماعي، فيما سيكون الوضع مغايرا تماما بمجرد اتخاذ الغدر ونسيان الجميل، لاسيما وان المرء الصادق يكون اسيرا لاصحاب الاحسان على الدوام، مما يدفعه لمحاولة التعبير عن الجميل بشتى الوسائل.

عملية الشكر لا تمثل حالة فردية في الغالب، بقدر ما تعكس ثقافة مجتمعية تحرك الجزء الأكبر، من البيئة الاجتماعية، فالمجتمع يلعب دورا كبيرا في تكريس العديد من المفردات الثقافية، على الواقع المعاش، مما يجعله جزء من الممارسات اليومية على الدوام، فاذا اتجه المجتمع صوب القيم الأخلاقية الداعمة لرد الجميل، ورفض مختلف اشكال النكران، فان البيئة الاجتماعية تحاول وضع هذه الثقافة في المقام الأول، عبر التعاملات الخارجية، نظرا لوجود مناخ ضاغط يحرك الكثير من الفئات الاجتماعية، نحو الاحسان وقطع الطريق امام مختلف اشكال الغدر.

محاولة تضييق الشكر ضمن إطارات محددة، يكشف في بعض الأحيان عن قصور، في التعاطي مع هذه القيمة الأخلاقية الفاضلة، فهناك العديد من الاعمال التي تدخل ضمن اعمال الشكر، وبالتالي فان الثقافة الاجتماعية تمثل احد العوامل الأساسية في توسيع دائرة الشكر، بحيث تشمل الكثير من الممارسات سواء كان فردية او جمعية، فالمرء بامكانه التعبير عن الشكر بابتكار العديد من الاعمال الطوعية، وكذلك محاولة اظهار الصورة الحسنة للمجتمع، لاسيما وان الإساءة للمجتمع تدخل ضمن اطار الغدر، ومقابلة الاحسان بالاساءة، بمعنى اخر، فان التعبير عن الشكر لا يقتصر على بعض المفردات القصيرة، وانما يشمل العديد من المبادرات التطوعية، وغيرها من المشاريع الهادفة لتحسين صورة المجتمع، وكذلك الاعمال الساعية للقضاء على بعض الممارسات السلوكية الشاذة، ”اماطة الأذى عن طريق صدقة“.

التحرك وفق المبادئ الأخلاقية الفاضلة، يمثل القاعدة الأساسية للانطلاق، باتجاه صناعة ثقافة ”الشكر“، في البيئة الاجتماعية، بحيث تخرج من الاطار الفردي الضيق، لتدخل في الدائرة الاجتماعية الواسعة، مما يمهد الطريق لاحداث تحولات كبرى في نمط التفكير الاجتماعي، خصوصا وان العقل الجمعي قادر على وضع الكثير من المفردات في الثقافة اليومية، مما يساعد في تحريك الأمور بالاتجاه الإيجابي، فيما يتعلق بطبيعة التعامل الحسن مع أصحاب الايادي البيضاء، على الوسط الاجتماعي.

كاتب صحفي