آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

النظام.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

الفوضى بما تحمله الكلمة من تداعيات عديدة، تكشف المستوى الثقافي لدى المجتمع تجاه النظام، فالمجتمع الذي يدمن الفوضى يحفر قبره بيده، خصوصا وان الفوضى غير قادرة على احداث الأثر الإيجابي في الثقافة الفردية، فضلا عن تكريس احترام النظام في الثقافة الجمعية، الامر الذي ينعكس على شكل ممارسات غير مستقيمة، لدى العديد من الشرائح الاجتماعية، بحيث تقود الى قلب الأمور رأسا على عقب، من خلال تحريك الأمور بالاتجاه المعاكس، عوضا من العمل على الدفع باتجاه وضع الجميع في المسار الصحيح.

عملية تكريس احترام النظام تبدأ منذ الصغر، فالاسرة تمثل النقطة الأساسية لوضع هذه الثقافة، في نفوس الأجيال على اختلافها، فالعائلة التي تقدس النظام تحاول زرع هذه القيمة الإنسانية، والأخلاقية منذ البداية، ”العلم في الصغر كالنقش في الحجر“، وبالتالي فان البيئة الاجتماعية قادرة على وضع ثقافة النظام في الأجيال الناشئة، مما يؤسس لمجتمع قادر على المساهمة الفاعلة في تطوير المسيرة التنموية، بمعنى اخر، فان الاسرة تساعد المجتمع منذ البداية على وضع الرجل على الجادة السليمة، من خلال تكريس احترام النظام، وعدم الالتفات الى الصيحات الداعية لنشر الفوضى، لاسيما وان النظام يمثل السبيل الوحيد للقضاء، على عوامل التخريب الداخلي في الوسط الاجتماعي.

التخريب ثقافة تدميرية تصيب المجتمع بالعديد من الامراض، فالاضرار الناجمة عن انتشار الفوضى، لا تقتصر على فئة صغيرة، وانما تشمل مختلف الشرائح الاجتماعية، ”الخير يخص والشر يعم“، فالفوضى تعمل على احداث خللا كبيرا، في منظومة الحياة الاجتماعية، مما يجعل الأمور اكثر تعقيدا، بحيث تقود الى التخبط والتحرك بعكس التيار الطبيعي، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على طبيعة التفكير الجمعي، جراء الشرخ الكبير في بنية الحياة العامة القائمة على ”البركة“، والعشوائية في مختلف المجالات.

احترام النظام تارة يكون بدواعي ذاتية، منطلقة من البنية الثقافية الداعمة للسير وفق القانون، بحيث تمثل سلوكا خارجيا على الدوام، الامر الذي ينعكس على الممارسات الشخصية والجماعية، نظرا لوجود قناعات ذاتية تعتمد على مرتكزات تكرس احترام النظام، فالنظام يترجم في جميع الممارسات دون النظر الى الضغوط الخارجية، لاسيما وان المجتمع يسهم في كثير من الأحيان في تكريس واقع خارجي على الفرد، مما يدفعه لاتخاذ مسار محدد في التعاطي مع الوسط الاجتماعي.

بالإضافة لذلك، فان السيف المسلط على الرقاب، يمثل احد الأسباب وراء احترام النظام، فالقانون بدون انياب لا يحترم في الغالب، خصوصا وان المجتمعات التي تتفنن في الالتفاف على الأنظمة، تعمد لانتهاج مختلف أنواع الالاعيب للهروب من النظام، مما يفرض وضع الضوابط الصارمة، لوضع تلك الشريحة على الجادة الصائبة، وبالتالي فان النظام في بعض المجتمعات يبقى حبرا على ورق، فيما يجد أصداء إيجابية في مجتمعات أخرى، خصوصا وان الاختلاف يكون في نوعية الثقافة، التي تغذي تلك الأوساط الاجتماعية، مما يستدعي وضع الأنظمة الصارمة، لتحريك الثقافة السائدة بالاتجاه الصائب، وقطع الطريق امام محاولات التلاعب، او الالتفاف على النظام.

المجتمع بما يملك من عوامل ضغط وإمكانيات كبرى، باستطاعته الدفع باتجاه احترام النظام، فالفرد يمثل المحرك الأساس في توجيه الثقافة، نحو البناء عبر تجسيد النظام، في جميع التحركات الخارجية، الامر الذي يمثل الاختلاف الكبير في التعاطي، مع الاخر تجاه السلوك غير النظامي، الفرد في بعض المجتمعات يقف بالمرصاد امام التصرفات المخالفة، سواء كانت صغيرة او كبيرة، مما يشكل رادعا قويا لاعادة الأمور للنصاب الصحيح، بينما يتخذ الفرد في مجتمعات أخرى موقف المتفرج، تجاه مختلف أنواع التخريب والتعدي على النظام، مما يشجع على تكريس هذه الممارسات في المجتمع، نظرا لاختلاف الوازع الذاتي لاحترام النظام، والعمل على تكريس هذه الثقافة في النفوس.

يبقى النظام عنصر حاسم في تحديد المسارات الحياتية لدى المجتمعات، لاسيما وان الفوضى تترك اثارا سلبية على التفكير الجمعي، نظرا لادمان الجزء الأكبر على التخريب، والابتعاد عن المساهمة الفاعلة في عملية البناء الشاملة.

كاتب صحفي