آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

الشماتة.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

التشفي سلوك غير أخلاقي، يترجم في العديد من الممارسات الحياتية، فهو لا يقتصر على تصرفات محددة، او كلمات معينة، حيث يطال الكثير من الاعمال الداخلة، في الاعمال غير الأخلاقية، خصوصا وان البعض يحاول تعميق الجراح عبر استخدام الوسائل الدنيئة، فالبعض ناجم عن احقاد دفينة، والبعض الاخر، نتيجة الشعور بانكسار الطرف المقابل.

الشماتة تتنافى مع الاخلاق الإسلامية، وكذلك تتناقض مع شيم الرجال، فالانسان المحترم يحرص على المنازلة الشريفة في الميدان، بيد انه سرعان ما يتوارى للخلف، ويتناسى الخصومة، بمجرد سقوط الخصم على الأرض، لاسيما وان الاجهاز على الجريح يكشف المستوى الأخلاقي للطرف الاخر، وبالتالي فان الشماتة التي يظهرها البعض في مصائب الاخرين، تكشف الوجه الحقيقي لتلك الفئة، خصوصا وان الخصومة ليست مدعاة للرقص على اهات الاخرين، بمعنى اخر، فان انتهاج سياسة الشماتة في المعارك الحياتية، يحدث حالة من النفور والامتعاض، تجاه مثل هذه السلوكيات غير الإنسانية على الاطلاق.

السلوك الفردي في التعاطي مع مصائب الاخر، انعكاس لممارسات فردية نتيجة السلوكيات غير السوية، بحيث تترجم بشكل عملي عبر التعبير بطريقة فجة، وغير مقبولة تجاه انكسار الاخر، بيد انها مرتبطة أحيانا بالدائرة الاجتماعية الضيقة، فالاصدقاء يمثلون احد المحركات لانتهاج مثل هذه السلوكيات غير الأخلاقية، خصوصا وان البعض يتخذ من الأصدقاء قدوة في الكثير من الممارسات، وبالتالي فان أصدقاء السوء يكرسون ثقافة سيئة في العقل، بحيث يطرد السلوكيات الحسنة، واظهار الممارسات غير السوية، فالصديق باستطاعته احداث تغييرات جوهرية في السلوكيات الخارجية، فاذا كانت حسنة فانها تظهر على شكل مواقف محمودة، تجاه البيئة الخارجية، ولكنها تكون اعمال مذمومة بمجرد اختيار أصدقاء السوء، ولعل الشماتة احدى ابرز السلوكيات المذمومة، نتيجة التأثر باصدقاء السوء.

اظهار الضغائن الدفينة تجاه ”الجريح“، يعكس في بعض الأحيان نوعية الثقافة الاجتماعية السائدة، فمثل هذه السلوكيات ليس وليدة اللحظة، بقدر ما تمثل تراكمات ممتدة عبر السنوات الماضية، بحيث تظهر على اشكال مختلفة بعضها في الكلمات النابية، والبعض الاخر بواسطة العديد من المواقف الخارجية، الامر الذي يفسر نوعية المخزون الثقافي السائد في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان تلك الممارسات تجد قبولا لدى العديد من الشرائح الاجتماعية، وبالتالي فان الشماتة ليس بمعزل عن الثقافة الاجتماعية السائدة، فالعديد من الفئات الاجتماعية تتغذى على هذه النوعية، من الاخلاقيات بشكل يومي، بحيث يظهر على شكل افراح، وابتهاج غير مستساغ، بمجرد سقوط الطرف الاخر، انطلاقا من مبدأ ”اذا طاح الجمل كثرة سكاكينه“.

يتخذ البعض الخصومة مبررا، لانتهاج سياسة الشماتة في الصراعات، بحيث تستمر لسنوات طويلة، بالرغم من اختفاء احد الأطراف من الساحة، بحيث تمتد للأجيال القادمة عبر توريثها، بطريقة مباشرة او غير مباشرة، خصوصا وان التشفي الذي يمارس بشكل صارخ في مصائب الخصم، يدفع الأجيال اللاحقة لاتخاذ ذات الطريقة، الامر الذي يكرس الواقع البائس في العديد من المواقف، سواء كانت بشكل فردي او جمعي، نظرا لوجود بيئة حاضنة لمثل هذه السلوكيات غير الأخلاقية، لدى بعض الفئات ذات النفود القوي، في الوسط الاجتماعي.

المجتمع بما يمتلك من سلطة معنوية في توجيه بوصلة الافراد، فانه قادر على احداث تحولات جذرية في بنية الفكر الجمعي، خصوصا وان الشماتة لا تمت للقيم الأخلاقية بصلة، وبالتالي فان الوقوف بحزم امام انتشار مثل هذه السلوكيات، يحمي الثقافة من الانجراف باتجاه مسارات غير نافعة، لاسيما وان البعض يحاول حمل البيئة الاجتماعية على ركوب الاخطار، عبر رسم خطوط، لا تصب في مصلحة الجميع على الاطلاق.

تبقى الشماتة ظاهرة ضارة على الفرد أولا، والمجتمع ثانيا، فالسلوك الفردي يؤثر بطريقة مباشرة، او غير مباشرة على التصرفات المجتمعية، بحيث تمثل سلوكا ظاهرا، وليس ممارسات شاذة، الامر الذي يخلق العديد من التداعيات والتوترات، بين الشرائح الاجتماعية، جراء انتهاج سياسة الرقص على اهات، ومصائب الاخرين.

كاتب صحفي