آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

«عيال الشغالة»

سلمى بوخمسين صحيفة الرأي السعودي

عزيزي القارئ / عزيزتي القارئة، تخيل معي السيناريو التالي، والدان يعملان لأكثر من عشرين ساعة يوميًا ويتركان طفلهما الصغير في عهدة خادمة، فتصبح المصدر الأول والوحيد تقريبًا لاكتسابه المعرفي واللغوي، وهذه الخادمة بالكاد تتكلم لغة بلاده لأنها ليست لغتها الأم وبذلك ليس لديها إلا عدد محدود من المفردات، إضافة لكونها لا تجيد القواعد اللغوية ولا تراكيب الجمل الصحيحة وطبعًا تفتقر تمامًا لتذوق جماليات اللغة وصورها ومجازاتها، كيف تتوقع ما ستكون لغة هذا الطفل ومعارفه؟.

في الحقيقة هناك شريحة اجتماعية كبيرة وفي تزايد مستمر ممن يربون طواعيةً مثل هذا الطفل، بأن يقوم الوالدان مع سبق الإصرار والترصد على حرمان طفلهما من تعلم لغتهما الأم، ويختاران تلقين الصغير لغة لا تعدو كونها لغة ثانية مكتسبة، فيمنحانه لغة هجينة محدودة المفردات، قد يلحنان في نطقها أو صياغتها أو سياقها، لغة مقتطعة من ثقافة بعيدة ليست لغة قلبهما ومشاعرهما ولا لغة أفكارهما، لغة ببساطة لا تمثلهما، في هذا السيناريو ليس لدى هذا الطفل لغة أم، فكل ما لديه أم بديلة فقط بكل ما في الكلمة من خواء وجفاف ويتم.

هل تدرك حجم العزلة والإعاقة التي تمنحها طفلك حين تحرمه تعلم لغة الشارع والوطن الذي يعيش فيه، أنت بذلك تحرمه من التواصل مع أجداده قناديل الحب والحنان الأغلى في عمره، تحرمه من التواصل مع أترابه الذين يصادفهم على قارعة الحياة في الحقيقة وأسوأ ما في الأمر أنك تحرمه حتى من التواصل معك، فأنت تستخدم لسانًا مستعارًا لتخاطبه فتزيد بذلك المسافة بين قلبك وقلبه، فكم من معنى تضاءل أو ضاع تمامًا في الترجمة؟.

أنا هنا لا أجادل في أهمية تعلم لغات العلم والحياة العالمية ولكن ليس على حساب خلق فجوة ثقافية بين الطفل وأهله وبيئته وحرمانه من إرثه اللغوي، لنعلم أطفالنا لغتنا أولًا وليتعلموا بعدها ما شاؤوا من اللغات، فالهندي الذي يولد خارج وطنه يتعلم الهندية والإسباني يتعلم الإسبانية وحده الطفل العربي يولد في وطنه ومع ذلك يمنح لسانًا معوجًا محدودًا مستعارًا «ايس في صديق»!.