آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:12 م

بالأمل نحيا

أمام كل ما نراه من مشهد حياتي معقد وصعب ولكن الرؤى حول النظر إليه والتعامل معه تختلف ما بين شخصية وأخرى، فهناك من يرى في الواقع المتأزم مشهدا ظلاميا لا مخرج منه، وبالتالي فإن أي حديث عن تحقيق الأهداف والطموح يصبح عنده لغو لا فائدة ترجى منه، بل ويرى في وجهة النظر القائلة بأن علينا العمل الحثيث في كل الأحوال مجرد أحلام وردية وانفصالا عن الواقع وولوجا في المثاليات!!

وهناك من يرى في هذا الواقع طبيعة للحياة الدنيوية لا يمكننا تغييره نحو ما نرغب بتلونه بمشهد السهولة وراحة البال، وينظر لقيمته ووجوده الحقيقي بقدر ما يمكنه من حمل شعلة تنير دربه وتساعده على مواجهة الصعاب والعراقيل، وأما الحياة الهانئة بنظره فليست هي بالدعة والتكاسل، بل هي الطمأنينة والسعادة المتولدة من وجود أثر له في شق عباب الصعاب والمحاربة من أجل تحقيق غاياته.

وهذا الاختلاف في الرؤى وتأثيره يفرض علينا بث ثقافة الحياة والتفاؤل والصمود ومواجهة التحديات، ومهما بلغت الأزمات مبلغها فإنه قادر على البحث عن مخارج ممكنة، والمهم أن لا ييأس أو يتكاسل ويعرض صفحا عن تآزر عقله وقدراته.

هل بحثنا عن العوامل المؤدية إلى كراهية بعض الطلاب للمدرسة وحالات التسرب الدراسي، بل ووصول البعض إلى حالة الإحباط الشديد المؤدي إلى الانتحار؟

أحد العوامل المشتركة بين كل هذه الحالات هو نظرة التشاؤم واليأس من القدرة على تحقيق أهدافه والحصول على مستلزمات الحياة الكريمة، مما أدى بهم إلى فقدان الأمل بوجود أي تغيير مستقبلي فضلا عن عدم وجود مكان له، ويمكن تغيير هذه النظرات السلبية مبتدئين بالأسرة وتربيته على تحمل المسئولية ودعمه وتشجيعه وتبديد الأوهام والأفكار السلبية، والبيئة التعليمية والتربوية «المدرسة» لها إسهام كبير في تفنيد التشاؤمية وفكرة الحظوظ السيئة، وفي المقابل تتظافر الجهود لتكوين شخصية الطفل القوية المبنية على نظرة واقعية ومراعاة لقدراته واتجاهاته، فمتى ما كان يتحلى بالوعي والاهتمام باتخاذ القرار المناسب أدى ذلك إلى دفعه نحو العمل الممتزج بالأمل، فما يراه من مغايرة بين آماله وواقع صعب، تردم هذه الهوة بكفاحه وسعيه الحثيث متسلحا بالمعرفة، فتترسخ في نفسه فكرة القوة بما يملكه من قدرات عليه أن يثق بوصوله لوضع ممكن من خلال مثابرته.

والأمر الآخر هو تكوين شخصية الطفل على تجنب التشاؤم والإحباط من خلال تكوين الثقة بالنفس والقدرات، فالخوف من الإخفاق والفكرة السلبية عن نفسه تجعله مترددا ومحبطا من أخذ المبادرة لعمل شيء يحقق آماله، بل ويصل به الإحباط إلى درجة تبرير تكاسله وتشاؤمه بأمور يجعلها كالصخور المترامية في طريقه.

الأمل نافذة العمل المثابر والإعداد النفسي لشخصية قوية ترى كل ما حولها فرصا لا ينبغي تضييعها، فالفرص ليست كالهبات ترمى في حجرنا، بل هي صياغة الهدف والعمل على تكوين الظروف المناسبة لاقتناصه، فالعقل متحفز بتفكير واع لأخذ صورة عامة لما يريده ومن ثم تتحرك خطواته العملية لإيجاده على أرض الواقع، فلننظر لكل ما نحققه - ولو كان ضئيلا - كإنجاز يؤكد قدراتنا، ونعمل بعده على تعزيز خط الإنجاز بخطوات لاحقة لكل مرحلة مذاق النجاح بعد التعب.