آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

الرجولة.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

يتخذ البعض العنف والصوت المرتفع، وسيلة لاعلان رجولته، سواء في المحيط الاسري او الوسط الاجتماعي، اذ يحاول فرض ارادته وسطوته على الاخرين، بطريقة ملتوية وغير أخلاقية على الاطلاق، فتارة يمارس مختلف اشكال العنف تجاه الدائرة الضيقة، عبر استخدام كافة الأساليب ”القذرة“ وغير العقلانية، بهدف احكام سيطرته على الاخرين، وبالتالي اثبات رجولته بطريقة خاطئة وغير محببة، لدى الدائرة الضيقة او الواسعة، فيما يكون الصوت المرتفع وسيلة لاخراجبعض ”العقد“، حيث يحاول إعطاء صورة عن رجولته لدى الاخرين، بيد ان البوصلة المستخدمة غير قادرة، على اختيار الجهة المناسبة، او الطريقة المقبولة.

الرجولة ليست اعمالا عنفية او ممارسات ”عضلية“، بقدر ما تمثل مواقف أخلاقية، فالمرء الذي يحترم نفسه يتحرك وفق قواعد أخلاقية، من خلال استخدام الطريقة المناسبة لايصال الفكرة، والابتعاد عن إيذاء الاخرين، مما يشكل علامة فارقة لدى الأشخاص، بحيث تنعكس على طريقة الاحترام المتبادل، خصوصا وان الانسان الذي يحترم نفسه، يتجنب التقليل من احترام الاخرين، بهدف الحصول على التقدير والاحترام، من لدن الطرف الاخر، وبالتالي فان الخطوة الأولى للاتصاف ب ”الرجولة“ تتمثل في الابتعاد عن إيذاء الاخر، وعدم انتهاج طريقة الانتقاص من الاخرين، خصوصا وان ردات الفعل تكون اكثر عنفا، مما يؤدي لحالة من الخصام، والدخول في المواجهة المباشرة.

استخدام السطوة على الأطراف الضعيفة، يمثل حالة من الانهزام الداخلي، فهذه الطريقة ليست قادرة على اثبات الرجولة، بقدر ما تسهم في احداث نفور كبير، خصوصا وان الأطراف الضعيفة تتقزز من استخدام الصلاحيات في الايذاء الجسدي والنفسي، الامر الذي يفسر عدم قدرة العنف في احداث احترام لدى الأطراف المتضررة، اذ تحاول الهروب من الواقع البائس بطرق مختلفة، بعضها مرتبط بأسلوب التعاطي مع باحثي ”الرجولة“، حيث تتسم بالفتور وعدم الاحترام بالرغم من الخوف الكبير، لاسيما وان الاحترام يأتي عبر الوسائل السلمية والتعاملات الأخلاقية، فيما اظهار السطوة الكبيرة يعطي نتائج عكسية، ولعل ابرزها الاحتقار الكبير لهذه الشريحة الاجتماعية.

التعاطي الباهت وغير المسؤول مع الممارسات ”الرجولية“، التي يستخدمها البعض، تسهم في تكريس ثقافة خاطئة وضارة في المجتمع، خصوصا وان الممارسات غير الأخلاقية، تعكس واقعا مأسويا، لدى العديد من الشرائح الاجتماعية، وبالتالي فان السكوت رسالة واضحة في الاستمرار، في مثل هذه السلوكيات، بحيث تقود لابتكار المزيد من الأساليب للتعبير عن ”الرجولة“، سواء بطرق علنية وأخرى غير علنية.

المجتمع يساعد في اتخاذ مثل هذه المسارات الخاطئة، خصوصا وان بعض التقاليد الاجتماعية السائدة، تدفع باتجاه اثبات ”الرجولة“ عبر استخدام العنف، تجاه بعض الأطراف الضعيفة، نظرا لادراك تلك الأطراف بعدم وجود معارضة شديدة، انطلاقا من التقاليد الاجتماعية القائمة على الاذلال، والعنف تجاه بعض العناصر الضعيفة، باعتبارها من ابسط الحقوق التي يمتلكها تجاه الدائرة الاسرية.

إيجاد مرتكزات ثقافية جديدة قادرة، على القضاء على الثقافة ”الرجولية“ البائسة، عملية أساسية لتحريك القناعات الخاطئة، التي ما تزال راسخة في الممارسات اليومية لدى البعض، خصوصا وان عملية الارتقاء بالمجتمع تتطلب احداث تحولات جوهرية، في عملية التفكير تجاه العناصر الضعيفة، فالرجولة ليست بحاجة الى العنف، واستخدام الصوت المرتفع، بقدر ما تحتاج على مجموعة قواعد أخلاقية، بهدف كسب الاحترام لدى الأطراف الأخرى، بحيث تقود في نهاية المطاف الى التقدير المتبادل.

تبقى الرجولة مواقف صادقة وليست ممارسات عنفية وقهرية، فالحصول على الرجولة يكون بالمعاملة الحسنة، والالتزام بالقواعد الإنسانية الرحيمة، عوضا من اتباع سلوك الحيوانات الكاسرة، التي لا تعرف سوى الاعتداء على الصغير والكبير.

كاتب صحفي