آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

الوسط الاجتماعي

محمد أحمد التاروتي *

يشكل احيانا الوسط الاجتماعي تيارا ضاغطا، في تحديد المسارات الثقافية والحياتية، نظرا لما يمتلكه من أدوات مادية ومعنوية فاعلة، مما يجعل يده الطولى قادرة على خلق الأجواء، تبعا لأغراضه وتوجهاته المنسجمة، مع القناعات الذاتية او الخارجية، بحيث تصبغ المفردات اليومية للكثير من الشرائح الاجتماعية.

الخشية من العصا الغيظة الممسوكة بيد الوسط الاجتماعي، تمثل احد الادوات لممارسة مختلف انواع الترهيب، على جزء واسع من المجتمع، مما يطلق يده باتجاهات متناقضة أحيانا، ومتوافقة ومنسجمة تارة اخرى، تبعا لتموجات الرغبات الداخلية، والضغوط الخارجية، خصوصا وان السيطرة على التيار الاجتماعي، يفتح الابواب أمام مختلف التوجهات، نظرا لانعدام التيارات القادرة على مقاومة الوسط الاجتماعي، او ايجاد البدائل القادرة على اختراق البيئة الاجتماعية بسهولة، مما ينعكس على شكل مشاريع ذات طبيعة مستهجنة أحيانا، ومقبولة احيانا اخرى، نظرا لوجود قناعات متغيرة على الدوام.

الوسط الاجتماعي ليس اشخاصا يتحركون امام العيان، بقدر ما يمثل افكارا ذات توجهات، تقوده اطراف تلعب دورا كبيرا في الخفاء، مما يجعل التعرف على الشخصيات اللاعبة من الصعوبة بمكان، وبالتالي فان التحكم في الوسط الاجتماعي يستدعي الامساك بالعصا، بطريقة مدروسة لإيجاد ارضية مناسبة، بعيدا عن التهويل والتخويف، بمعنى اخر، فان محاولة لعب دور مؤثر في الوسط الاجتماعي، يتطلب وجود القدرة على التأثير في القاعدة الشعبية، وامكانية طرح البدائل بطريقة عقلانية، بعيدا عن التصادم المباشر، خصوصا والتصادم يولد حالة من العداء والتشنج، بحيث يقود الى الاقتتال الداخلي.

وضع التصورات ذات الطبيعة المتوازنة، والبعيدة عن التفكير الاجتماعي العقلاني، عناصر فاعلة في تحريك الوسط الاجتماعي في الاتجاه الصائب، خصوصا وان التلاعب بالتفكير الشعبي دون وضع الخطوات المناسبة، يخلق العديد من التداعيات السلبية على البيئة الاجتماعية، بحيث تظهر على شكل تحولات مفاجئة، وصادمة في بعض الاحيان، مما يولد صدمة كبرى في العديد من الفئات، الامر الذي يقود لخروج الامور عن السيطرة في بعض الاحيان.

ايجاد التوازن بين متطلبات المجتمع، وتطلعات العناصر المحركة للوسط الاجتماعي، يمثل ظاهرة صحية، وتعكس مستوى الوعي، والشعور بالمسؤولية في التعاطي مع التوجهات الاجتماعية، بشكل مشترك، خصوصا وان طغيان الرغبة الشخصية، وتحرك الاطماع الذاتية، على المصالح الاجتماعية، يقود الى تحريك الوسط الاجتماعي باتجاهات غير معروفة، بحيث تذهب الى المجهول، وعدم القدرة على تحديد المسارات بشكل دقيق، وبالتالي الدخول في متاهات صعبة ومظلمة، في احيان عديدة.

مؤشر الوسط الاجتماعي يرتفع وينخفض تبعا للتحولات الاجتماعية الكثيرة، فتارة يكون باتجاهات تتوافق، مع القناعات الاجتماعية الراسخة، منذ سنوات طويلة، وتارة أخرى تكشف عن تغييرات كبرى، في القواعد الفكرية المتجذرة، مما يترجم قدرة الوسط الاجتماعي، على تحريك البيئة الاجتماعية، صوب الشمال ونحو الجنوب، بشكل مستمر، حيث تمثل التوجهات الفكرية للأطراف المحركة للوسط الاجتماعي، احد الاسباب وراء التحولات الكبيرة في المسيرة الحياتية.

وجود رغبة في مسايرة الاطراف المحركة للوسط الاجتماعي، يمثل عنصرا اساسيا في نجاح تلك الخطط المرسومة، فالمجتمع الذي يتمسك بقناعاته، بعيدا عن الضغوط الداخلية، والخارجية، قادر على الصمود في وجه التيار الجارف، الذي تقوده أطرافا تتحرك وفقا لمصالحها الذاتية، وبالتالي التعويل على إرادة البيئة الاجتماعية في الامساك بزمام الأمور، وعدم السماح لعناصر بالتلاعب بالقناعات الفكرية، عبر تحريك الوسط الاجتماعي بطريقة غير عقلانية، خصوصا وان خروج البعبع من قمقمه، يدمر بناء سنوات مديدة من العمل الجمعي، مما يستدعي التعامل بمسؤولية في تحريك الوسط الاجتماعي، بما يخدم المسيرة الاجتماعية بالدرجة الأولى، ويحقق التطلعات للمجتمع.

توجيه الوسط الاجتماعي بالاتجاه الإيجابي، يحدث اثرا إيجابيا، ويساهم في خلق الظروف الملائمة، للوقوف امام تحديات الانقسام الداخلي، لاسيما وان الاختيار الأنسب للتوجهات الفكرية، يفضي لتجاوز المراحل الصعبة، والانطلاق بقوة نحو المستقبل الواعد.

كاتب صحفي