آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 1:42 ص

الازمة.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

تلعب الازمات دورا كبيرا في توحيد الفئات الاجتماعية، حيث تتكاتف الجهود في سبيل الخروج من الامتحان الصعب باقل الخسائر، مما يدفع لتعليق الاختلافات جانبا، والعمل بشكل مشترك، فيما يخدم المصلحة العامة، بحيث يفضي في كثير من الأحيان الى بدء صفحة جديدة، والتحرك وفق رؤية مختلفة تماما، خصوصا وان الازمات تكشف الكثير من نقاط الالتقاء، مقابل محدودية مواطن الاختلاف، الامر الذي يمهد الطريق للانطلاق بقوة باتجاه مرحلة جديدة، شعارها ”تناسي الماضي“، والتحرك بروح العمل الجماعي.

تختلف الازمات باختلاف الظروف الزمانية، فالبعض منها لا تكاد تشكل معضلة كبرى، في المسيرة الاجتماعية، كونها ذات اثر محدود على التفكير الجمعي، مما يجعلها غير ذات أهمية على الصعيد الاجتماعي، وبالتالي فان هذه النوعية من الازمات متروكة للزمن للتعامل معها، خصوصا وان تعطيل الحركة الاجتماعية في سبيل التعاطي معها بشكل مبالغ، يسهم في اهدار الوقت واستنزاف الكثير من الطاقات، وبالتالي فان التعاطي بشكل مناسب مع الازمات، يشكل حالة إيجابية في جميع الأوقات.

فيما تتطلب بعض الازمات الوقفة الجماعية، والعمل الجاد، وتخصيص المزيد من الوقت، بهدف محاصرتها والحيلولة دون استفحالها، او انتشارها افقيا وعموديا، لاسيما وان التغاضي لا يخدم المصلحة المشتركة، بقدر ما يمثل حالة سلبية على المدى القريب، وانتشار بعض الامراض الاجتماعية على المدى البعيد، وبالتالي فان الدراسة الواعية لنوعية الازمات تحدث اثرا كبيرا، في استيعاب التداعيات المترتبة، على ظهور تلك الازمات في اليات العمل الجماعي.

الاليات المستخدمة في معالجة الازمات الاجتماعية، تكشف طبيعة التفكير لدى البيئة الاجتماعية، فاذا كانت تتسم بالعقلانية، والتوازن، والقدرة على التحكم في ردات الفعل، فانها تكشف عن وجود فئات حكيمة وواعية، فيما تظهر المعالجات الفوضوية والعشوائية طبيعية البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان قراءة الحلول تعطي صورة واضحة عن التفكير الاجتماعي، تجاه التعاطي مع الازمات على اختلافها، فهناك كيانات اجتماعية تجد نفسها في حالة ضياع، وعدم استقرار، بمجرد بروز ازمة طارئة، بينما تحافظ كيانات اجتماعية أخرى على استقرارها وهدوئها، تجاه الازمات على اختلافها، سواء كانت كبيرة او صغيرة، مما يعطيها القدرة على تجاوز الامتحانات، بطريقة مثالية، او تقليل حجم الخسائر.

تكاتف الجهود الاجتماعية لمعالجة الازمات على اختلافها، يمثل مدخلا أساسيا لسد الثغرات السلبية، المترتبة على بروز تلك الازمات، خصوصا وان تباعد وجهات النظر يفاقم الأمور، ويؤخر السقف الزمني، للسيطرة على الأوضاع بشكل مناسب، وبالتالي فان الجهود المشتركة تساعد في ابتكار الحلول المناسبة، ”اعقل الناس من جمع عقول الناس الى عقله“، فالتحرك الفردي غير قادرة على الإحاطة بجميع الزوايا، فيما العمل الجماعي قادر على الرؤية الشاملة، للازمات من كافة الجهات، الامر الذي يساعد في خلق البيئة الملائمة للمعالجات السليمة، بمعنى اخر، فان الجهد الجمعي يستنزف طاقات قليلة، ويعطي ثمار سريعة، بخلاف الجهد الفردي الذي يستنزف الطاقات، ويعطي معالجات بطيئة.

الثقافة الاجتماعية الواعية تمثل محركا أساسيا، في عملية تجاوز الازمات، خصوصا وان ثقافة العمل الجماعي تساعد على تحريك البيئة الاجتماعية، باتجاه ”التعاون“ في مساعي التغلب على الازمات، ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى? ? وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وبالتالي فان التفكير الجمعي اكثر قدرة على تحريك الافراد، باتجاه المصالح الكبرى، عوضا من المصالح الهامشية والفردية، بحيث تقود الى تسريع الحلول، والبحث الدائم عن العمل المشترك، لمواصلة المسيرة الاجتماعية الإيجابية.

تبقى الازمات احد المحركات الأساسية، في وضع الجميع في مواجهة مباشرة، مع المصالح المشتركة، وتجاوز الأغراض الشخصية الضيقة، خصوصا وان الاثار المترتبة على انتشار الازمات، ليست قاصرة على فئة محددة، وانما تشمل مختلف الشرائح الاجتماعية، مما يدفع باتجاه العمل الجمعي للقضاء الامراض، التي تنشرها الازمات الاجتماعية.

كاتب صحفي