آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

أم البنين (ع) أولدتها الفحولة

عبد الرزاق الكوي

قال الامام علي لأخيه عقيل:

«انظر لي امرأة قد أولدتها الفحولة من بني العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا».

قد أولى الاسلام وحث الرسول ﷺ والأئمة عناية خاصة لمسألة الزواج واختيار الشريك وخير مثال لنا قدوتنا إمام المتقين علي في اختياره للزواج مع رجاحة عقله ومعرفته بالمجتمع يستشير ويضع المواصفات المطلوبة لأن تكون له زوجة ولدتها الفحولة وامرأة مثل تلك المواصفات تنجب الفارس الشجاع.

قال تعالى: ﴿والَّذِينَ يَقُولُونَ ربَّنا هَب لنا مِنْ أزواجِنَا وذُرِياتِنَا قُرَّةَ أعيُنٍ واجعَلنَا لِلمُتَّقينَ إمَامَاً.

أشار عقيل بن أبي طالب أن يتزوج فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة الوحيد بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري، ينتهي نسبها لأشرف القبائل العربية عائلة اتصفت بالشجاعة والبسالة فليس في العرب على وجه الإطلاق أشجع من آبائها اتسمت هذه الخصال في أم البنين حيث كانت ذات قوة وشجاعة وتحمل صعاب بإيمان قوي وارادة صلبة وتضحيات عظيمة وثبات على الحق اجتمعت هذه الصفات من عائلتها مع شرف وعظمة ومكانة أمير المؤمنين فازدانت بها أم البنين سموا ومكانة وعظمة، لتصبح بجلال قدرها وسمو أخلاقها مثال صالح يقتدى به في صنع مجدا عظيم بولائهم إلى أهل البيت وتربية أبنائها التربية الفاضلة التي ختمت بتتويجهم بالشهادة في كربلاء المقدسة تحت راية سيد الشهداء الإمام الحسين .

كانت حياتها صبرا وعطاء وتضحية، شهدت سني حياتها ظلامة أهل البيت من قبل أعدائهم والتنكيل بهم وإثارة الفتن في طريقهم مند زواجها حتى شهادة الإمام الحسين وابنائها راضية بقضاء الله وقدره صابرة محتسبة أنه بعين الله عزوجل، وإن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى.

قال تعالى: ﴿والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون.

قساوة ما مرت به وصبرها وعطائها وحبها إلى سيدا شباب أهل الجنة ورعايتهم جعلها في مصاف النساء العظيمات الخالدات وصاحبات الشأن مثلها في المقام خديجة الكبرى فهم وسيلة يتقرب بهم لله عزوجل، نموذجا من نور ومثال للقداسة ورمزا للعطاء ونبراسا للتضحية وتاريخ مشرف من السمو تحاكي به الضمائر الإنسانية وتبرز دور ومكانة المرأة كما يريدها الإسلام، فهذا الشرف العظيم لا يخطه قلم ولا يصفه اللسان ولا يحده حديث فبلاغة الكلام وفن التعبير وفصاحة اللسان تتلعثم عن وصف ومدح وابراز مكانة وهيبة وجلال قدر هذه السيدة الفاضلة، فسوف يبقى اسم أم البنين خالدا يتغنى به ويفتخر بالانتماء إليه والانطواء تحت ظله فهي أكبر من كل الكلمات وان تشمله صفحات السير وكتب التزاحم، فهي مجموعة متكاملة من القيم تمثلت في امرأة ولدتها الفحول وهي كلمة شاملة لكل الصفات العظيمة، فكان العطاء قمر بني هاشم وإخوته ما أعظمه من عطاء سطر للتاريخ شخصيات عظيمة من أم عظيمة، توجت عطاءها ان قدمت فلذة كبدها بطيب نفس وقربة تتقرب بهم لله تعالى بصدق ويقين حبا وتفانيا.

قال رسول الله ﷺ: «تخيّروا لنطفكم، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهنَّ وأخواتهنَّ».

حريا بنا بشكل عام والمرأة بشكل خاص أن نأخذ من صاحبة الفضل أم البنين المثل الراقي ومكارم الخلق والصفات الحميدة، نرتقي ونبتعد عن القشور والتقليد الأعمى والركون للدنيا والمظاهر المادية الكاذبة والتطور المزيف، ونتبع خطى أم البنين في عبادتها وإخلاصها وحبها الصادق إلى أهل البيت شرفنا وعزتنا ، فالمرء لا يخلد بماله وجاهه وجماله بل بخلقه وطيب معشره.

قال تعالى: ﴿أن أكرمكم عند الله اتقاكم.

فقد كرم الله تعالى أم البنين وتفضل عليها بإن جعلها من أولياءه وأصحاب المكانة في الدنيا وما ينتظرها من جزيل الأجر والثواب في الآخرة، تقديرا للدور التي قامت بها وسطرته واقعا معاشا ليكون قدوة لمن يأتي بعدها ويريد شرف الدنيا والآخرة، ستبقى ملجأ ووسيلة للتقرب لله عز وجل في قضاء الحوائج رغم قلة ما كتب من المصادر التاريخية وألف من الكتب عن تاريخ حياتها، رغم كل ذلك حازت المكانة العظيمة وسكنت القلوب وأصبحت من عظيمات النساء خارج أسوار نساء أهل البيت .

فلنتبع خطى مولى المتقين أمير المؤمنين علي في اختيارنا الشريك والمقاييس الإسلامية واتباع طريق أهل البيت ، فلم تكن نظرتهم إلى الشريك إلا ذات الدين والخلق وليس الجاه والمكانة، فعامل الوراثة له دور فاعل ومهم يأخذ في عين الاعتبار من أجل إنشاء جيل سليم وصحي ومتمسك بتعاليم الدين وذو خلق يفتخر به من قبل أسرته ويخدم مجتمعه، فالأبناء يأخذون من آبائهم واخوالهم وأجدادهم، فالوراثة لها دور مهم فأغلب الصفات تنتقل من الآباء والأمهات والأجداد والخوال، ولهذا من الأهمية التأني والبحث والسؤال أن يكون الشريك من بيئة صالحة وأخلاق كريمة فالجانب الوراثي ينعكس على حياة الأولاد وشخصيتهم.

قال رسول الله ﷺ: «اختاروا لنطفكم فإن الخال أحد الضجيعين».

فالدين والتمسك بتعاليم الإسلام واتباع الرسول صلى الله عليه واله، والسير على خطى أهل البيت هو الخيار السليم للبحث عن الشريك والارتباط على أساسه، واخذه بنظر الاعتبار ولا يكون على أساس دنيوي أو مصالح شخصية أو نظرة متسرعة.

فقال رسول الله ﷺ: «إياكم وخضراء الدمن.. المرأة الحسناء في منبت السوء».

قال الإمام الصادق : «تزوَّجوا في الحجر الصالح، فإنَّ العرق دسّاس».

فكانت أم البنين عليها الاختيار السليم فرفدة الدنيا والمجتمع بفضل عطاءها وسمو خلقها ربت وقدمت فلذة كبدها لإعلاء كلمة الله عز وجل والحفاظ على الدين من الاندثار.

ستبقى أم البنين في ذكرى وفاتها وفي مجمل حياتها نورا يقتدى وهداية نتعلم منها الرقي والوصول للمعالي.