آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

تجسير العلاقات

محمد أحمد التاروتي *

توطيد العلاقات الاجتماعية عنصر أساسي، في إزالة سوء الفهم، وقطع الطريق امام الأطراف، الساعية للاصطياد في الماء العكر، خصوصا وان القطيعة الاجتماعية تمهد الطريق، لدخول الطرف الثالثة، لاشعال نيران الخلافات الداخلية، نظرا لانعدام قنوات الاتصال بين الشرائح الاجتماعية، الامر الذي يحول دون القدرة على تقريب وجهات النظر، مما يساعد في احداث فجوة في منظومة العلاقات الاجتماعية بالبيئة الواحدة، لاسيما وان الأطراف الأخرى تحاول استغلال الفجوة الاجتماعية بطريقتها الخاصة، بما يحقق جزء من أهدافها الشخصية، بخصوص إبقاء التباعد بين الفئات الاجتماعية، ومحاولة زرع الفتنة بشتى الطرق.

تقريب وجهات النظر، او تجسير العلاقات الاجتماعية، تتخذا اشكالا مختلفة، وأساليب متنوعة، اذ من الصعب حصرها ضمن اطار واحد، نظرا لاختلاف المستويات الفكرية، وتفاوت طرق التفكير، وكذلك تنوع الأطراف المنخرطة في المنظومة الاجتماعية، ”امر ان نخاطب الناس على قدر عقولهم“ وبالتالي فان توحيد الخطاب الاجتماعي ليس مطلوبا، وانما يكشف قصورا واضحا، في القدرة على القراءة الدقيقة، لاتجاهات التفكير الاجتماعي، مما يستدعي وضع تصور واضح قادر على اتخاذ الوسيلة المناسبة، بدلا من استخدام الأساليب المعلبة، نظرا لانعكاساتها المباشرة على النتائج المستقبلية.

الوقوف على الأساليب المناسبة، لتقوية شبكة العلاقات الاجتماعية، يمثل البداية الحقيقية للانطلاق بقوة، نحو ترتيب البيت الداخلي، فالعملية ليست فوضوية، او متروكة للزمن، للتعامل مع حالات الخصومات الاجتماعية، وبالتالي فان وضع الدراسات الدقيقة يسهم في وضع النقاط على الحروف، مما يساعد في نهاية المطاف في خلق الظروف المؤاتية، للتحرك للامام بخطى ثابتة، فهناك الكثير من التجارب الفاشلة، التي تركت مرارة في القلوب، الامر الذي يفرض تجاوز تلك التجارب، بما يعيد الفرحة للقلوب مجددا، خصوصا وان شبكة العلاقات الاجتماعية تخدم المسيرة التنموية الشاملة، فالاثار ليست مقتصرة على حقية زمنية محددة، وانما تمتد تموجاتها لحقب زمنية قادمة.

القدرة على توظيف الإمكانيات الفكرية، واستغلال القدرات الشخصية، في تجسير العلاقات الاجتماعية، عنصر إيجابي في المساعي الهادفة، لتقليص الهوة الفاصلة، في شبكة العلاقات الإنسانية، لاسيما وان الاستغلال الأمثل للامكانيات، يعطي النتائج المطلوبة في الشارع الاجتماعي، خصوصا وان العلاقات الاجتماعية تظهر على اشكال مختلفة، اذ تتمثل في صورة التكافل الاجتماعي، والتعاضد والتعاون الكبير، وبالتالي فان التصدي لتوطيد شبكة العلاقات الاجتماعي، لا يكفي للوصول الى الصورة المطلوبة، حيث يستوجب إيجاد القنوات العديدة، لتدعيم تلك التحركات، الامر الذي ينعكس بصورة واضحة، على نوعية العلاقات الخارجية، حيث يتجلى في التماسك الشعبي بشكل مباشر، بينما تعكس الخلافات الداخلية التفتت الكبير في البيئة الاجتماعية، مما يفرض اعلان حالة الطوارئ، لاعادة رسم شبكة العلاقات بطريقة أخرى، من اجل العبور بالمجتمع على شاطئ الأمان.

ثقافة التعاون جزء أساسي، في احداث التماسك الاجتماعي، فالمجتمع الذي يتحرك بشكل جماعي، يقطع الكثير من المسافات بشكل سريع، فيما العمل الفردي يستنزف الكثير من الجهد، وبالتالي فان توطيد شبكة العلاقات يدخل ضمن ثقافة التعاون القائم، على الاستغلال الأمثل للقدرات، وتفجير الكفاءات، لاسيما وان نشر هذه الثقافة يسهم في احداث تحولات جذرية، في مجموعة المرتكزات الفردية، بحيث تأخذ الجانب الجماعي، وتقلل من النزعة الفردية، باعتبارها عنصر تعطيل في مساعي تقوية شبكة العلاقات الاجتماعية، لاسيما وان التعاون قيمة أخلاقية رفيعة، حيث تتجلى في العديد من الممارسات الاجتماعية ”وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان“.

يمثل تجسير العلاقات الاجتماعية، عنصر حاسم للتحول بالاتجاه التفاعلي الإيجابي، بدلا من اتخاذ مسار العزلة السلبية، خصوصا وان إبقاء الخصومات في البيئة الاجتماعية، يدخل ضمن مساعي التخريب، فيما توطيد العلاقات الاجتماعية، يمثل قمة البناء الإيجابي، وبالتالي فان الدعوة الى تعزيز شبكة العلاقات الاجتماعية، ينطلق من مبدأ البناء، ونبذ كافة اشكال الهدم، وطرد الثقافة السلبية، نظرا تحثه من اثار تدميرية، على الثقافة الإيجابية.

كاتب صحفي