آخر تحديث: 19 / 3 / 2024م - 9:08 ص

فيروس كورونا من منظور حقوقي

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

كنت أتساءل ونفسي كيف يمكن لدولة مثل الصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أن تأتيها مثل هذه الكارثة البيئية ولم تفلح في حلها إلى الآن؟! كيف يمكن لمثل هذه البلد وهي التي تعد النموذج الفلسفي الحضاري العريق، والذي انعكست عنه كل التطبيقات التقنية والتعليمية، أن تقف متفرجة على هذا الفيروس؟ هل هناك شك في مقولة أن الاقتصاد القوي ينتج طبا قويا؟ لطالما تغنينا بالأدب الصيني والفن الصيني، إلا أن ثمارها لم تنجح، ولعل هذه الكارثة البيئية شاهد حي على ما نقول!

في الحقيقة ليس الاقتصاد القوي الذي يخلق طبا قويا، ولكن الانتهاكات هي التي تنتج طبا سيئا، وغياب الهامش هو الذي سيقود حتما لكوارث بيئية وصحية هائلة في الاتساع، فإذا رأى شخص منكم حاضرتي بكين أو شانغهاي، قد يقول إن الصين بلد متقدم بشكل جيد، غير أن هذا محل النقاش في الجنبة الحقوقية، فمثلا التمييز في الحقوق الاقتصادية واختلال التوازن بين المقاطعات، واتساع الفجوة في الدخل بين مواطنيها والتفاوت في العديد من أوجه الحياة المعيشية للشعب. قبل سنوات انتشرت صورة في وسائل التواصل الاجتماعي لمجموعة من الأطفال في مدينة ماتشنغ بمقاطعة هوبى بوسط الصين يتعين عليهم أن يحملوا مكاتبهم الخاصة بهم إلى المدرسة بسبب نقص الميزانية، مما أثار تعاطف وغضب الشعب، وفي المقابل نجد طلابا آخرين في المدن الكبيرة يجلسون في فصول بها مكيفات الهواء، ويتعلمون بالآيبادات وأجهزة اللابتوب المتطورة ما هذه المفارقة؟! السبب الحقيقي هو التوزيع غير المتوازن للموارد، حيث نجد أن نسبة كبيرة من الناس تواجه صعوبات في حياتهم، لا سيما في التعليم والصحة والإسكان وغيرها من أوجه الحياة، في حين نجد أن الأثرياء وأصحاب الامتيازات والمواطنين في المناطق الأكثر تقدما يتمتعون بخدمات اجتماعية أفضل! وقد قرأت في الصحافة خلال السنوات القليلة الماضية أن وسائل إعلام صينية كشفت عددا من الفضائح التي استخدم فيها المسؤولون سلطاتهم لمساعدة أبنائهم للحصول على وظائف حكومية، وهو ما يؤدي إلى حرمان شباب آخرين من نفس الفرص. وقد أثار الخبر آنذاك غضب الرأي العام!

تعالوا معي مثلا لمسألة الإعلان عن البحث العلمي لمرض كورونا، لماذا تصر الصين على الاستمرار في إجراء أبحاث سرية في مختبراتها، رغم تحذير بقية العالم من خطورة تسرب مكوناتها القاتلة؟! أين الشفافية؟ لماذا كل هذا التكتم؟

بكل تأكيد للعادات الغذائية دور كبير في ظهور الفيروس، إلا أن السبب الرئيسي في انتشار مثل هذه العادات الضارة هو الفقر الذي يحيط بها، فالفقر يرفع نسبة الأمراض والأوبئة ويسهل انتقالها فيما بينهم.

وهنا يتحتم علينا أن نتعلم من هذا الدرس، بل يجب على كل العالم أن يتعلم من هذه التجربة، وهي أن حقوق الإنسان عالمية، وليست محلية، وأن غياب الهامش والانتهاكات سينتج كوارث، وأن من سيعاني هذه الكوارث ليس فقط المجتمع الذي تنتشر فيه الانتهاكات، بل إن البشرية كلها ستشترك في المعاناة وتكبد الخسائر.