آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

مدمنو الإثارة

دكتورة لمياء عبدالمحسن البراهيم * صحيفة اليوم

مع انتشار الإعلام الجديد بوسائل التواصل المختلفة، بات من الشائع تسويق الأشخاص والمحتوى بأساليب ابتكارية، قد يكون منها الغريب والمثير والمستنكر، تساهم بذلك ألعاب الإعلام الجديد التي منها شراء ترند، واستخدام مجاميع الدعم الوهمي أو الحقيقي المدفوع، وبتقنيات إدارة الحسابات الإلكترونية التي تشد الانتباه باتجاه بوصلتهم.

انتشرت حالات أناس مستفزين، أو يثيرون الشفقة والتعاطف لصعوبة حالاتهم وطلبهم للدعاء والعلاج، وأيضا حسابات تشتكي من العنف والتحرش والإيذاء وتبالغ في الطرح لإثارة الرأي العام، ويلاحظ في بعضهم عدم اللجوء للقنوات الرسمية في الشكوى رغم تسهيل آلية التواصل، وحتى الطلاق والمشاكل العائلية وخلافات السنابيات باتت سبيلا للشهرة وجذب الاهتمام.

لفت نظري حالات لسيدات يعرضن المثير المستغرب بتعمد وإصرار مما دعاني للبحث عن سبب ذلك علميا وصحيا.

فقرأت لكم عن اضطراب نفسي سلوكي يسمى بمتلازمة مونخهاوزن بالإنترنت، حيث يسعى المصابون به لجذب الانتباه بأي وسيلة كانت ولو سيئة؛ لينالوا اهتمام الناس من خلال العزف على استثارة المشاعر والغرائز التي يعشقها مدمنو الإثارة.

وفي متلازمة مونخهاوزن بالوكالة تستغل حالات مرض أو وفاة شخص خصوصا الأطفال لإثارة التعاطف، مثل ما نجده اليوم من تصوير مرضى في العناية المركزة وتحت الأجهزة أو يحتضرون؛ لنيل أكبر عدد من التغريدات والتفاعل.

وهذا الاضطراب يختلف عما ظهر بفترة ما من انتحال شخصيات وهمية تدعي أنها مصابة بمرض وتجذب التعاطف لها غالبا لجمع التبرعات والهدايا.

ظهر مصطلح «مونخهاوزن عبر الإنترنت» - في عام 2000 م من قبل الطبيب النفسي مارك فيلدمان الذي وصف به حال من يصورون أنفسهم كمصابين بأمراض خطيرة أو كضحايا للعنف.

ساهم سهولة عمل الحسابات الإلكترونية في وسائل التواصل بدون اشتراط التأكد من الهوية الحقيقية، ووجود مجاميع الدعم النفسي والاجتماعي الإلكتروني للأعضاء الذين يواجهون مشاكل صحية أو نفسية بارزة، واهتمامات الجمهور السطحية كان من تغليب العاطفة بدون التيقن من المعلومة، في انتشار هذه المتلازمة بين مستخدمي وسائل التواصل خصوصا أن لها مكاسب نفسية من حيث الاهتمام والتعاطف، ومادية من حيث زيادة عدد المتابعين، ومالية حين يتحول الشخص إلى معلن، أو مستفز يتنمرون عليه ليشتكيهم حتى يضطرهم للتنازل له بمبالغ مالية.

من الأولى باللوم، هل من يسعى للشهرة بالسوء خصوصا لو كان مضطربا نفسيا ينشد الاهتمام والتعاطف والمادة، أو يلام من يشجعه لممارسة هذا السلوك ومن أساليب التشجيع التنمر الإلكتروني والاجتماعي حيث يحس الشخص المصاب بأنه ضحية ويتعاظم لديه الشعور لعيش هذا الدور عاطفيا وسلوكيا.

تحدثنا كثيرا عن مشاهير التواصل وتبعات ذلك، وأهمية الوعي الاجتماعي للتصدي للظواهر الإلكترونية السيئة وتجاهل الحسابات التي تتلاعب بهم وتستثير عواطفهم وغرائزهم، وتشجيع المحتوى الهادف أو على الأقل الراقي بدون إسفاف.

أيضا مع اعتبار ”النت“ وسيلة إعلامية أساسية في عصرنا الحالي فالحاجة تحتم تكثيف الدراسات النفسية والاجتماعية السلوكية حول تأثير التقنية على الجماهير وتحريكهم، واستخدام مخرجاتها لعلاج هذه الظاهرة.

استشارية طب أسرة
مستشار الجودة وسلامة المرضى
مستشار التخطيط والتميز المؤسسي
كاتبة رأي