آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 5:35 م

هل تملك الدنيا؟

كتب الأديب جبران خليل: ”الدنيا ملكٌ لمن يستيقظ باكراً“. حكمةٌ لا أظن أن مخلوقاً في الدنيا ينكر صحتها. إذ أنَّ ساعات ما بين الفجر وطلوع الشمس، إن كنت طالباً أم عاملاً، هي من أثمن ساعات اليوم الأربع والعشرين ساعة. ساعات ليس فيها ضوضاء ولا زحمة طريق وفيها تستيقظ الطبيعة بكل أشكالها وألوانها.

لابد لكل ماكينةٍ أن تستيقظَ برفق وتتدفق طاقتها تدريجياً، وهكذا يبدو لي نحن بني البشر. نحتاج تلكَ الساعات بين الفجر وطلوع الشمس من أجل أن ننضم لنشاطِ اليوم قليلاً قليلاً وليسَ في دفعةٍ واحدة. وأظن أن أكثرَ التوتر والقلق الذي نلحظه في الشارعِ والمنزل والعمل والمدرسة مرده عدم الاستيقاظ باكراً ثم الاستعداد ليومٍ جديد.

ماكينةُ الإنسان بدائيةٌ جداً من حيث أنها تعمل في النهار وتتوقف في الليل. إلا أنَّ المصباح الكهربائي غير إيقاعها إلى حركةٍ دؤوبة مستمرة في كثيرٍ من ساعات الليل، ومن ثم تعب طوال النهار مما يسبب لتلكَ الآلة كثيراً من الأعطالِ والأضرار والتوقف عن العمل باكراً في دورتها الحياتية.

خطى حياةِ اليوم أصبحت سريعةً ومزدحمة وأقل صحة وتحتاج شيئاً يضيف لها سلاماً داخليا. إذن لا تستغرب إذا رأيتَ كثيراً من الناجحين حولك هم ممن يستيقظون باكراً ولديهم القدرة عالية من الإنجاز والإحساس بالمسؤولية. وإذا كان من المستبعد أن ينجحَ ويبدع كل من يستيقظ باكراً، فليسَ من المستبعد أن كلَّ من ينجح يستيقظ باكراً!

ربما أجمل ما يكون في ذلك الوقت الباكر هو العزلة الذاتية والصمت الداخلي الذي ليس يتكلم فيه سوانا. نجادل فيه ذواتنا ونجعل منها أشخاصاً آخرين ومرايا تعكس المناظرَ التي نراها وتصغي لنا بصمتٍ ودون جدال. أنا سميت تلك الفترة الصباحية ”نادي الطبيعة“ حيث كل شيء وكل مخلوق يكون خامةً ومادةً أولية في طبيعتها، قبل أن تصنع منها الشمس والحياة خامةً أخرى مصطنعة وأكثر خشونة.

إذا كنت من عشاق الليل مثل أبي فراس الحمداني الذي كثيراً ما يذكر الليلَ في شعرهِ وحيداً متألماً في أسره فنعما وإلا فدع الليلَ لمن هو عشقه:

وَأَسرٌ أُقاسيهِ وَلَيلٌ نُجومُهُ
أَرى كُلَّ شَيءٍ غَيرَهُنَّ يَزولُ
تَطولُ بِيَ الساعاتُ وَهيَ قَصيرَةٌ‏
وَفي كُلِّ دَهرٍ لا يَسُرُّكَ طولُ

مستشار أعلى هندسة بترول