آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

الفاعلية والنشاط

ورد عن الإمام الباقر : «إياك والكسل والضجر، فإنهما مفتاح كل شر، من كسل لم يؤد حقا، ومن ضجر لم يصبر على حق» «تحف العقول ص 295».

العمل المثابر واغتنام الأوقات وتحديد الغايات والأهداف وآليات الوصول إليها هي من سمات الإنسان الناجح، وعليه الحذر من تلك المعوقات لمسيره نحو الإنجاز والإنتاجية، ويذكر الإمام الباقر معوقين، هما: الضجر والكسل، فالضجر يعني النفس القصير والإرادة الضعيفة التي لا تتحمل المتاعب وصعوبات تخطي المراحل، وأما الكسل فيعني حياة الخمول والاتجاه نحو الأحلام الوردية للوصول إلى أعلى المراتب ولكن لا على أرض الواقع بل في خياله فقط.

النظرة الدينية لشخصية الإنسان تقوم على ركيزة تحقيق الوجود وتنمية القدرات وممارسة الدور الفاعلي المثابر في الحياة، وهذا النشاط الذي يمتاز به ينطوي على آليات ومقومات تسعف المرء على تحقيق أهدافه وغاياته، ومنها اغتنام الأوقات وتحويلها إلى فرص يقتنصها ليخطو نحو النجاح والإنجاز من مرحلة إلى أخرى، وهنا تتجلى عقبات لهذا الاغتنام ومنها الاهتمامات السطحية بأمور لا طائل منها، كما أن التفكير في الماضي واجترار الآلام من مضيعات الوقت، وذلك أن البعض يبقى رهينا لتجارب سابقة لاقى فيها صعوبات وعراقيل سببت له ألما، واستعراضها المستمر أمام مخيلتنا لن يغير شيئا كما أنه يصيب قوانا بالانهيار، ومن تلك المضيعات للوقت هو التخوف من المستقبل ولقراءة الخاطئة لحاضره الصعب، فيصاب الإنسان بالإحباط ويحمل تصورا تشاؤميا يقعده عن العمل بهمة ونشاط.

وقد أشار الإمام الباقر إلى عاملين مؤثرين في عرقلة مسير الإنسان نحو تحقيق مراده، عامل في عرقلة الناحية الفكرية والنفسية ألا وهو الضجر وحالة التململ والنظرة السوداوية للمستقبل، وذلك بقراءة الأمور والأحداث وظروفه المالية والاجتماعية وغيرها بنظرة مادية بحتة حادة لا تقبل المناقشة والتفتيش عن حلول ممكنة، ومتى ما صادفته عراقيل أو صعوبات فإن نفسه تنهار وتضعف عن مجابهة التحديات والمشاكل.

ولا يكبح جماح الكسل والتشاؤم إلا ثقافة تحمل المسؤولية والإرادة القوية في المواجهة لا الهروب، والبحث عن طرق المعالجة والحلول في إطار الممكن بعيدا عن وهم المثاليات.

وأما التململ فإنه يعيق القدرات الفكرية والعملية عند الفرد لتحقيق دوره الطموح، وما نراه من نهايات مؤسفة لبعض الشباب والفتيات أحد عوامله حالة الضجر والقلق من المستقبل في كنف الظروف الصعبة والأزمات المتعددة، مما يقعد البعض في شرنقة اليأس من تغير الأحوال فيتجه نحو الأمراض النفسي أو الظواهر الإجرامية المعبرة عن نقمته على المجتمع، وهذا ما يستوجب علينا نشر ثقافة الأمل والثقة بالله تعالى؛ لتبقى نوافذ الحلول والخيارات الممكنة مسارا يتسابق الشباب نحو تحقيق طموحاتهم دون أن يتخلوا عنها في أحلك الظروف وأصعبها، وإذا كانت هناك ثمة مسارات يرغب فيها ولكنها تعد سقوفا عالية من الأهداف فهذا لا يعني مطلقا الإحباط، ولكنه يسعى لتنمية قدراته بما يتوافق والفرص المتاحة والممكنة أمامه، ويعمل جاهدا على تحقيقها.

وأما المعول الهدام الآخر فهو الكسل والذي يعني ما يعنيه أنه التقاعس وضعف الهمة عن الاتجاه لساحة العمل المثابر، فالبعض يحيا أوهام الثراء السريع وحرق المراحل دون بذل الجهود المضنية في سبيل الوصول لمراده؛ ليجد نفسه قد باء بالخيبة وضياع الأوقات، وعلى مستوى بث المعارف والثقافة الناضجة فإنها تعني جهودا مبذولة على مستوى التدريس والتأليف والتبليغ واتباع الأساليب المناسبة والمحببة، وأما ممارسة النقد السلبي وصب اللعنات على ضحالة مستوى القراءة عند الشباب فلن تحرك ساكنا ولن تغير من الواقع، وكذلك تحسين علاقتما بالله تعالى تعني الاتجاه نحو إعمار الأوقات بالأعمال الصالحة المقربة من الله تعالى، وأما نيل رضوانه تعالى بالأماني فهذا لا يوصل إلى شيء أبدا، فالحياة تموجات نشاط وهمة ومثابرة تدفع الإنسان إلى الدفاع عن طموحاته بالعمل لا الأماني.