آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

أمزجتنا في الألوان

ارتفعت حرارةُ الجو في نهاياتِ الشتاء فدبت الحياةُ في الأشجارِ وكستها لوناً أخضر وثماراً بألوانٍ عدة. أزهارُ أشجار الليمون بكل أصنافها وروائحها والتوت الأسود والأحمر والأبيض والتين والنخل غطت كل أفرع الأشجار. إذن هي الطاقة التي تمد الكونَ بالحياة وتتصارع من أجلها الشعوب والدول وأبسط تلك الطاقة هي الشمس التي أحالت الشجرةَ الجرداءَ، لا شيءَ يغطيها، إلى لونٍ أخضر مشع.

تلك هي الألوان دون أن ندرك تثير فينا مختلفَ المشاعر خوفاً وأمناً منطلقةً من ذاكرتنا وتجاربنا وثقافتنا. أبدعها اللون الأخضر الذي يحاكي للكثير منا لونَ العشب والشجر والغابة. ولأنه في الغالب مرتبط بقوة بالطبيعة والخصوبة، نجده منعشاً وباعثاً على الراحةِ والبهجة والصحة.

طاقةُ وخضرة النبات ترتد لنا في أشكالٍ من السكينةِ والسلام في اللون الأخضر الذي يمتاز بالبرودة والدفء فلا لوناً يجلب الاسترخاءَ أكثر منه. لا غَر أن عدَّ الناسُ الماءَ والخضرةَ والوجهَ الحسن ثلاثةَ أركانٍ للبهجة. ولا غرابة أيضاً حين يكشف الباحثون عن قدرةِ اللون الأخضر على التسريعِ في قدرتنا على القراءةِ والاستيعاب. لم تكن طاقة الكهرباء قبل عشرات السنين حاضرةً على الدوام حين كانت شركات الكهرباء أهلية ومحلية، فانقطاعها المتكرر في أوقاتِ الدراسة والامتحان كان يجبرنا على الهرب نحو استذكار الدروس بين الشجيرات والبساتين المتوفرة، تحت ظلالها مستمدين من حضورها في خضرتها السوداء كلَّ ما كانت تهبنا إياه من طاقة.

هكذا نشأت المدرسةُ الفَلسفية ”المشائية“ في المشي بين الرواقاتِ والبساتين عندما استأجر أرسطو مكاناً خارجَ المدينة وكان الاسكندر تلميذه القديم قد أوصى جميعَ عماله أن يقدموا لأرسطو ما قدروا عليه من العينات الحية التي يعثرون عليها في الأراضي التي يغزونها، فتَوفرت لدى أرسطو أعداداً كبيرةً من الحيوانات والنباتات. صفها أرسطو على اليمين واليسار وعلق بعضها، ولما كثرت العينات جعل أرسطو بينها ممراتٍ صغيرة للمشي، فصارت عادةً ووسيلةً رائعة ليشرح لطلابه صفات هذه الكائنات وهو يمشي، فسميت دراسة أرسطو هذه بالمشائية.

ليس كلنا يعيش في بيئةٍ خضراء، لذلك علينا ما أمكننا أن نحيط أنفسنا في المنزل والعمل بالشجيرات لعلها تساعد في إِراحتنا. كيف لا؟ ولونُ لباس أهل الجنة هو الأخضر! ذلك لكونه يبعث على النشاط كأوراقِ الأشجار المختلفة في درجةِ اللون ولطَافته. ولا يبعد أن لو انتشر هذا اللون في طرقاتنا ومنازلنا ومصانعنا ومشافينا أن يجعلَ أمزجتنا أقلَّ حدةً وأكثر طراوة!

مستشار أعلى هندسة بترول