آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

الظلم التحكيمي وصناعة الكراهية

سراج علي أبو السعود * صحيفة الرأي السعودي

بعدما كانت الأخطاء التحكيمية في كرة القدم تُبرَر بأنَّ الحَكَم بشر، والبشر لديهم إمكانيات محدودة وهم غير معصومين من الخطأ والزلل، جاءت تقنية «VAR» تقنية تصوير الفيديو، لتضع أمام الحكام خيارًا لا يمكن أن يُخطئ حال الاستعانة به، غير أنَّ المشكلة يبدو أنها تفاقمت بأكثر مما سبق، ففي حين كان التبرير السابق مقبولًا لدى نسبة من المشاهدين فإنَّ هذه التقنية الجديدة جعلت الخطأ التحكيمي دليلًا بأنَّ هناك تعمدًا في الظلم أو مزاجية وتعمدًا في التقصير، وهذا ما يجعل حجم المرارة والألم في نفوس من تعرضوا للظلم عميقًا جدًا.

يمكن اعتبار الكراهية مرحلة متقدمة من التعصب الرياضي، ولكنها فيما أظن لا تمثل ظاهرة واسعة تستحق أن يُلتفت إليها، غير أنَّ تقنية «VAR» أسهمت - برأيي - في زيادة مستوى التعصب الرياضي لأنها خلقت دليلًا دامغًا لدى المشجعين بتعمد الظلم.

ومن جانبٍ آخر فإنَّ القنوات الفضائية ومن تستضيفهم من خبراء تحكيم ومحللين رياضيين، ينظر إليهم المتابعون بأمل في إنصاف نواديهم والإقرار بالأخطاء إن وُجدت، يُسهم بعضهم بسوء كياسته وفطنته أو ربما تحيزه في النفخ في النار وسكب الزيت عليه حينما يبرر بشكل فاضح ومخجل تلك الأخطاء التحكيمية والظلم الصريح بطريقة يصح جدًا وصفها بالفجة وغير المحترمة لعقول المشاهدين بل والمهينة لهم.

وهذا ما يفاقم الإحساس بالظلم ويدفع باتجاه مستويات متقدمة من الكراهية، ومع بالغ الأسف لا تُدرك نسبة من هؤلاء أن المجتمع غني بالكفاءات العلمية والثقافية التي تمحص أحاديثهم وتتأمل فيها جيدًا، وحينما لا يستطيع مُعد البرنامج فهم ذلك فإنَّه سيبقى مصرًا على تقديم هؤلاء المحللين كأدوات لزيادة الوعي والثقافة الرياضية في حين أن نسبة منهم لا تجيد إلا تبرير الخطأ والإصرار عليه.

تشكل العنصرية أزمة اجتماعية عالمية، هناك عنصرية الأديان والمذاهب والقبائل والألوان والأعراق وغيرها، أما الآن فيبدو أننا مقبلون على نوع آخر من العنصرية والكراهية وهي كراهية الرياضة وبدعم مباشر من تقنية «VAR»، هذه التقنية وعوضًا عن خدمة الرياضة أصبحت أداة لمزاجية الحَكَم يستخدمها متى شاء ويغض الطرف عنها متى شاء، وعوضًا عمَّن ينافح عن حقوق الأندية وتسكين آلام الجماهير المكلومة الحزينة يأتي من المحللين من يصر على الإساءة إليهم والسخرية المبطنة من نواديهم ليقدم تبريرات ساذجة للظلم لا تمنح المُشاهد إلا المزيد من مشاعر الغبن والأسى.