آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 5:35 م

نساءٌ شموسها لن تميل

من أبهجِ المناظرِ التي نراها كلَّ يومٍ قبيل طلوعِ الشمس، منظر نساءٍ يمشينَ محتشمات بهمَّة على ضفاف البحر وكأنهن يخاطبنَ النهار: هاتِ ما عندك من تحدٍّ وأمل وعمل! لابد أن من بينهن طبيباتٍ ومدرسات وعاملات، صبايا في انتظارِ ما يأتي به الغد من حبٍّ أو أمهاتٍ كَبُرَ من في العش وطَار! يزداد المنظرُ جمالاً حين نرى رجلاً كهلاً وامرأته شابكين الأيدي، يمشيان بهمة يرصان ما تحاول الأيام نقضه ودكَّه من قوةٍ وعزمٍ وود. لابد أنها دقائق تأخذهمَا فيها الذكريات لأيامٍ وسنواتٍ مضت حين كانا شابين ويمشيان تلكَ المشية. امشيا فلا يهم كم مضى من العمر، لكن يهم جودة ما بقي منه.

في الغالبِ ينتهي عملُ الرجلِ عندما يعود للدار بينما أشق الأعمال وأكثرها احتياجاً للصبر ينتظر المرأةَ عندما تعود! فلا أشق من رعايةِ ومساعدةِ صغارها في التعلم والتربية في وقتٍ أصبح ينافسها على عقلِ ورغبةِ الصغار في العلم كثيرٌ من الملهياتِ والمسليات. فحقٌّ لها إذن أن تمشي تلك الخطواتِ جيئةً وذهاباً في الشتاءِ والربيع لتحفظ قواها وعقلها من جنونِ العملِ والحياة. خطواتٌ تعينها على بقاءِ وهجها دونَ أن تميلَ شمسها وتذبلَ سريعاً.

لم تترك المرأةُ سوحَ العمل يوماً والمشاركةَ في الحياة، بل في نظري أنها هي من تحمل ثقل الحياة على كاهلها أينما كانت وفي أي مجتمعٍ وقارةٍ عاشت. أول نساءٍ رأيتهن تعملن في المنزلِ والحقل كانت أمي ورفيقاتُ عصرها، حين عملن في دُويراتهن الأهلية والمجتمعية ولم يحصلنَ على المادةِ جزاءَ ما أدينه من أعمالٍ مضنية.

كان يومُ المرأةِ في الماضي طويلاً ورياضتها فيه العمل الشاق المكلف دون راحة. كيف تكون في راحةٍ وهي من يجلب الماءَ من بعيد ويطبخ ويعين الزوجَ مع كثرةِ الصغار وقلة ما يعين من التقنياتِ والأجهزةِ المنزلية التي لم تتوفر بعد؟! أما الآن فالمرأة تقريباً حاضرة في كلِّ شأنٍ من شئونِ الحياة العملية، لا يكاد يخلو حقلٌ من الحقول إلا وطرقته المرأةُ وبكفاءة فاقت الرجلَ أحياناً. فلا عجب إذن أن زادَ حملها وباتت تحتاج أن تستعينَ على يومها بساعةٍ حرة في المشي والترقق هرباً من ضغوطِ الأمس واستعداداً لأملِ وعملِ اليوم.

لكن ومع كلِّ التقدم الذي أصبح عليه العالم اليوم، لا تزال كثيرٌ من الأيدي الناعمة تعمل دون كلل من أجلِ الحصول على بعضِ أساسيات الحياة ومضطرةً للهجرة في كثيرٍ من البلدان رجاءَ تحسين ظروف عيش العائلة. هؤلاء النسوة ربما ليس في أحلامهن رياضة الصباح أو المساء بل كيف تستمر الحياة ويتخففنَ من ثقلِ الصراعاتِ اليومية التي تمر بها المرأةُ لا غيرا!

مستشار أعلى هندسة بترول