آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

العقلانية.. الهلع

محمد أحمد التاروتي *

التعامل مع الازمات بشكل عقلاني، يفضي الى معالجات ذات اثر إيجابي، سواء على الصعيد الشخصي، او الإطار الاجتماعي، خصوصا وان التفكير العقلاني يحدث اثرا كبيرا في الاستقرار الداخلي، الامر الذي يؤسس لحالة من الهدوء في جميع المستويات، فالتعامل الفوضوي يحجب عن الرؤية الصائبة، ويقود الى إشاعة الهلع والخوف، لدى مختلف الشرائح الاجتماعية.

وضع الازمات في مكانها الحقيقي، يسهم في التحرك المتوازن وغير الفوضوي، لاسيما وان إعطاء الأمور اكبر من حجمها، يحول دون السيطرة على الأمور، مما يقود للتخبط وعدم القدرة على إدارة الازمات بالشكل المطلوب، بحيث تظهر على مجموعة القرارات المتخذة، وبالتالي فان إشاعة الخوف في الوسط الاجتماعي يترك اثارا سلبية، ويؤسس لحالة من الضياع في جميع مراحل تطور الازمات، فعوضا من التعامل الجاد والحازم مع الازمات منذ البداية، فان الهلع يشل التفكير العقلاني، ويعطل التحرك المتوازن، للوصول الى الهدوء والاستقرار.

الخوف المرتبط بالفشل من الوصول الى الاليات المناسبة لمعالجة الازمات، احد الأسباب وراء تعطيل العقل في خلق الظروف المناسبة، لتحقيق الاستقرار وزرع الهدوء في البيئة الاجتماعية، ”إِذَا هِبْتَ أَمْراً فَقَعْ فِيهِ، فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيهِ أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ“، وبالتالي فان سيطرة الهلع تخلق حالة نفسية صعبة، مما ينعكس على طبيعة التفكير، بحيث تظهر على قرارات انفعالية، وليست مدروسة بشكل كامل، الامر الذي يحدث حالة من التخبط الاجتماعي.

التحرك الفردي ومعالجة معالج الازمات بعيدا عن العقل الجمعي، يمثل احد الأسباب وراء الفشل، وعدم القدرة على السيطرة على الوضع بشكل كامل، فالعقل الجمعي قادر على الإحاطة بالامور من مختلف الجوانب، مما يؤسس لمرحلة اكثر هدوء واستقرار، جراء التحرك بشكل جماعي لمعالج الازمات، والسعي الجاد لبث الهدوء في البيئة الاجتماعية، نظرا لتقديم العديد من الحلول وعدم الاقتصار على معالجات محددة، لاسيما وان العقل الجمعي اكثر قدرة على وضع الحلول المناسبة، والتحرك السريع لوضع البدائل المناسبة.

بث الهلع في البيئة الاجتماعية ليس حلا على الاطلاق، فالمجتمع بحاجة الى الهدوء في الأوقات الصعبة، من خلال التقليل من الاثار المترتبة على نشوب الازمات، سواء من خلال الرسائل الإيجابية بمحدودية الازمات، وكذلك عبر ارسال رسائل مطمئنة، بالسيطرة الكاملة على الأمور، الامر الذي يحدث اثرا إيجابيا في الوسط الاجتماعي، لاسيما وان حالة الهلع تقود الى العديد من المشاكل، على الصعيد الفردي، والإطار الجمعي.

الفشل في التعامل مع الازمات لا يقتصر على المرحلة الراهنة، وانما تمتد اثاره لمراحل زمنية قادمة، بحيث تترك جروحا عميقة في نفوس المجتمع، مما يجعله غير قادر على استقبال الازمات بالهدوء والاستقرار، نظرا لوجود تجارب فاشلة خلال الفترة الماضية، وبالتالي فان التفكير العقلاني لا يخدم المجتمع خلال المرحلة الحالية، وانما يمثل طريقا سالكا للاليات المتبعة في الازمات المستقبلية.

تلعب النخب الثقافية دورا محوريا، في أدارة الازمات بالشكل المطلوب، فهذه الفئة تمتلك الأدوات اللازمة لتوجيه الرأي العام نحو الهدوء والاستقرار، والتحرك العقلاني بعيدا عن ردود الأفعال غير المتوازنة، نظرا لامتلاكها القدرة على التأثير والإمكانيات اللازمة، بعيدا عن العواطف والفوضوية، في وضع المعالجات المناسبة، تبعا لحجم الازمات، فهناك بعض الازمات لا تستحق الالتفات على الاطلاق، فيما تتطلب أزمات أخرى تحركات عاجلة وهادئة بعيدا عن الفوضوية.

تبقى العقلانية السلاح الأكثر قدرة على إعادة الأمور للوضع الطبيعي، خصوصا وان الصدمة تفقد البعض السيطرة على الوضع، مما يقود لحالة من الهلع والخوف، وعدم القدرة على رؤية الازمات بالطريقة الصحيحة، وبالتالي فان المعالجات العقلانية تمثل الخيار الأمثل، للخروج من الازمات بالنصر، وتفويت الفرصة على الاخرين، في زرع الخوف في نفوس المجتمع.

كاتب صحفي