آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

عقيلة الطالبين زينب (ع)

عبد الرزاق الكوي

قال تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ*رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وأقام الصَّلاةِ وَإِيتَاء ِالزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ .

عقيلة بني هاشم السيدة زينب جدها النبي الأكرم ﷺ، بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أمها فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، اخوتها الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة، جدتها خديجة الكبرى عليهم جميعا أزكى واعطر السلام، تزوجت ابن عمها عبدالله وهو أول مولود ولد في الاسلام بأرض الحبشة وهو ابن الشهيد في معركة مؤته جعفر بن أبي طالب، ولدت في جمادى الأول في السنة الخامسة للهجرة بالمدينة المنورة، أولادها محمد وعون «استشهدا في كربلاء مع الامام الحسين »، وعباس وعلي وام كلثوم.

ونظم في شأن فضلها: الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس سره:

مليكة الدنيا عقيلة النسا عديلة الخامس من أهل الكسا

ما ورثته من بني الرحمة جوامع العلم أصول الحكمة

فإنها سلالة الولاية ولاية ليس لها نهاية

فشخصية عظيمة كالعقيلة زينب تبقى الكلمات قاصرة ان ترتقي للتعريف بهذه البطلة العظيمة لن يعرفها الا الله عز وجل والأئمة ومن أعطاه الله المكانة الجليلة لمعرفة القليل عن بطلة الاسلام قاطبة، فشخصية كهذه تعجز الأقلام وتكل الالسن من الوصف في شخصية متكاملة الصفات متعددة المزايا، تربت في بيت كان النبي صلى الله عليه واله يحيطه بعطفه ويشمله بحنانه ويفيض عليه ببركاته، كان الجد محمد خير البشرية، والأب إمام المتقين ويعسوب الدين والنبأ العظيم، والأم فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين أم أبيها عليهم جميع سلام الله، في بيت أذهب الله عنه الرجس وطهره تطيرا.

أقبلت على الدنيا فأخبر النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم بميلادها، فأتي مسرورا، أخدها النبي الأكرم صلى الله عليه واله. ضمها الى صدره الشريف، وضع خدها على خدها، وبكى صلى الله عليه واله لما سوف يصيبها من بعده من محن ورزايا ومصائب، دعا لها، فكانت محط اهتمامه وعنايته مع اخوتها الإمامان الحسن والحسين ، عناية تخطت محبة جد لأحفاده، بل عناية ربانية لعظمة ومكانة هذا البيت ليهم السلام عند الله عز وجل، عاشت خمس سنوات في حياة الرسول صلى الله عليه واله، فكان أحب البيوت على قلبه هو بيت تسكنه فاطمة ، اذا سافر يكون آخر الناس عهدا به هي فاطمة وأولادها، واذا قدم من السفر كانت الناس يلقاهم ويطمئن عليهم.

قال الشيخ جعفر النقدي رحمه الله، في مدح السيدة زينب :

عقيلةُ أهل بيت الوحي بنتُ الوصيِّ المرتضى مولى المَوالي

شقيقةُ سِبْطَيِ المختارِ مَنْ قد سَمَت شرفاً على هام الهلالِ

حَكَتْ خيرَ الأنام عُلاً وفخراً وحيدرَ في الفصيح من المَقالِ

وفاطمَ عفّةً وتُقىً ومجداً وأخلاقاً وفي كرم الخِلالِ

ربيبةُ عِصْمَةٍ طَهُرَتْ وطابت وفاقت في الصِّفات وفي الفِعالِ

فكانت كالأئمّة في هداها وإنقاذِ الأنام من الضَّلالِ

وكان جهادها [بالقَوْل] أمضى من البيض الصوارم والنِّصالِ

وكانت في المصلَّى إذ تُناجي وتدعو الله بالدمع المُذالِ [المنهمل]

ملائكةُ السماء على دعاها تؤمِّن في خضوعٍ وابتهالِ

روت عن أمّها الزهرا علوماً بها وصلت إلى حدِّ الكمالِ

مقاماً لم يكن تحتاج فيه إلى تعليم علمٍ أو سؤالِ

ونالت رتبةً في الفخر عنها. تأخّرت الأواخر والأوالي

فلولا أمُّها الزهراء سادت نساء العالمين بلا جدالِ

هذا البيت العظيم لا عجب ان يكون امتداد بكل ما تعني الكلمة للرسول صلى الله عليه واله، وتكون العقيلة فيه بطلة الاسلام مدافعة صلبة لم تهن ولم تضعف مهما عظمة الخطوب، فقد تحدرت من الأصلاب الطاهرة استقتها من النبع الطاهر جدا عن اب وام، فكانت قمة في الكمال والعطاء فكأنت رائدة لكل العصور والأزمان، امتلأت ايمان فازدانت عطاء، كانت قريبة من خالقها جل وعلا فأرهبت الجبابره وهزت عروش الظالمين بصلابة وشموخ وشجاعة ورثتها من ابيها امير المؤمنين البطل الخالد لم يهزم ببركات ودعاء وتأييد النبي صلى الله عليه واله، فبدأ جدها بالرسالة ودافع عنها من اذهب الله عنهم الرجس، وهذه زينب الثمرة الطاهرة لهذا البيت الطاهر، اخدت الصفات والخصال الحميدة منهم فكانت البطلة فاقت بشجاعتها الفوارس فأن كان للشجاعة اسم فهو السيدة زينب الحوراء، عقيلة الطالبين، العالمة غير معلمة، عابدة أهل البيت، الطاهرة، بطلة كربلاء، ام المصائب، اخدت صفات أمها فكانت العابدة، التقية، المتهجدة، وأخذت من ابيها امير المؤمنين الشجاعة والفصاحة فكانت البطلة العظيمة والمتحدثة كأنها تفرغ عن لسان ابيها وثبات كثباته لا تخضع لظلم ظالم ولا تخشى في الله لومة لائم، ثابتة الجنان، رفيعة القدر، تنطق الحكمة، لم يرى أكرم منها خلقا، ولا انبل فطرة، ولا أطيب عنصر، أية من آيات الله، ينبوع الفضائل، المضحية مثال الفداء ونموذج الصبر، هي سلوى لكل قلب، ورمزا لكل مظلومية، كانت بفضل من الله عز وحل هبة السماء إلى الارض.

وقال الشاعر صدام فهد الاسدي ايضا ً بحق السيدة زينب ع في قصيدته اطلق عليها بطلة كربلاء:

وكفاك في الميلاد انك زينب

لو قلت اسمك فالمدامع تطرب

من اين ابدأ في معاجز زينب

اذ انت من تلك المعاجز اعجب

انا من انا حتى اقارب شخصها

واقول شعرا في صداك واخطب

مولاة شعري في حياتي كلها

ما غيرها عند الشدائد اندب

قل لي بربك هل رأيت كزينب

بجهادها كانت تثور وتخطب

قتلوا الحسين تصوروا وتوهموا

بل كان ينتصر الحسين ويكسب

ظنوا لقد مات الحسين من الظمأ

انسوا بكوثره الخلائق تشرب

السيف ما قتل الحسين وانما

السيف يحتضن الحسين وينحب

يا زينب الكلمات تطلق في فمي

لو قلت زينب فالمشاعر تهرب

انا ما كتبت وما مسكت بريشة

لكنها القطرات حبك تكتب

اني امام الدر اصفن حائرا

بقلادة ماذا اشد واثقب

واذا القلادة زينب قد طعمت

بشذى النبوة اي بحر اركب

يا بنت فاطمة عصرت مشاعري

واتيت في الميلاد يومي اطرب

انا قد نجحت بحب بيت محمد

لكنني في كل درس ارسب

انا قد قرأت وقد فهمت معارفا

لكنها خابت وحبك اعذب

يا بنت اشرف واحد في كوننا

بعد النبي وهل سواه سأطلب

كل اللغات اذا فهمت رموزها

تعبت وحبك زينب لا يتعب

كالكهرباء ارى المحبة فيكم

كالقطب يسحب ما احتواه ويجذب

لو قلت تخدعني النساء بحبها

والله بل والله اني اكذب

قد حق للانسان يعشق مذهبا

ما غيركم في العمر عندي مذهب

المرء يطلب في العواصف مركبا

ما غيركم في الريح عندي مركب

ليس الأبطال على مر التاريخ من تشهد لهم السير والأحداث والمواقف، فهذه زينب فاقت بشجاعتها كل الأبطال هزت عرش امبراطوريات بجبروتها وقمعها وظلمها، كشفت عوراته بصلابتها وعزيمتها التي لا تلين ولا تهادن عجز عن ذلك الرجال فكانت زينب رمزا للبطولة، فضحت الزيف الذي اراد اخماد صوت الحق وتزييف الواقع الاسلامي ونشر التحلل في المجتمع، فسجلت العقيلة اسمها من نور واعادة للإسلام هيبته وللدين مكانه وللقيم وجوده، فنالت المنزلة العظيمة والمكانة الجليلة ويكون مزارها وموفدها في عقر دار من ظلموها معلما إيمانيا تهفوا له القلوب وتشتاق له الأفئدة، امرأة ليس كباقي النساء تحملت ما يهد الجبال ومالاطاقة لحمله، ان اي مصيبة من مصائب السيدة زينب لو ابتلى بها احد مهما ملك من الصبر والتحمل وقوة البأس، أضعفت قواه، وهد حيله ثقل المصاب، لكن زينب عليها بأيمانها وما تلقت من تربية في البيت الطاهر وما نهلت من العلوم الربانية، صمدت امام البلاء وقاومت المصائب العظام فقد عاشت مصيبة جدها رسول الله صلى الله عليه واله، ومحنة أمها ومظلوميتها ثم وفاتها ، وشاهدت شهادت ابيها امير المؤمنين ، وكانت حاضرة محنة اخيها الامام الحسن ثم شهادته مسموما مظلوما، وكانت في كربلاء مع الامام الحسين فكانت المصيبة العظمى والأمر الجلل شاهدت فيه مصرع جميع من حضر من اهل بيتها حزت رؤوسهم وقطعت اجسادهم وسبية نسائهم امام عينها، اخدت كل ذلك بنفس مطمئنة ويقين ثابت راضية بقضاء الله وقدره معلنه اذا كان هذا يرضيك فخد حتى ترضى، توجت حياتها ان قدمت قربان من اجل الدين في كربلاء المقدسة، في معركة غير كل المعارك انتصرت فيها قوة الإرادة والصمود ونسفت فيه أبنية النفاق والجور وأشرقت الحقيقة انتصرت على السيف وحامليه من تمثلت فيهم القساوة وانعدمت فيه الخلق وسوء العاقبة، اصبحت فيه بطلة كربلاء مثلا يقتدى لكل حر على وجه المعمورة، من يريد الارتقاء والسمو والمعالي لكل وجل وامرأة.

قال الامام السجاد علي بن الحسين عن السيدة زينب :

«أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفعمة».

اشد مشاعر الحزن وقعا للنفوس ان نختم هده السيرة العطرة بذكرى وفاتها في الخامس عشر من شهر رجب سنة 62 هجري، حيث تركت المدينة المنورة مع زوجها عبدالله بن جعفر حيث مر على المدينة المنورة سنوات قحط فنزحوا الى الشام حيث كانت لهم ارض فيها، وفي رواية اخرى بعدما قامت السيدة زينب تمارس دور التحريض بعد استشهاد الامام الحسين مما اضطرواإلى ترحيلها إلى الشام وانتقلت الى بارئها هناك، في منطقة تسمى راوية، ولها مقام عظيم في الجهة الجنوبية على بعد سبعة كيلومترات من دمشق، ينتشر في الحوزات والمدارس الدينة يزار من مختلف أنحاء العالم، حمي بفضل من الله عزو جل من هجمات النواصب الدواعش أعداء الدين ومبغضي اهل البيت وشيعتهم.

قال تعالى: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

جاهدت وصبرت فنالت وسام الفخر وتربعت على قمة العظمى والجلال، ثمرها من شجره اصلها النبي صلى الله عليه واله وفروعها اهل البيت ، خلقوا نورا وهداية وصلاح وعطاء للإنسانية، فكانوا قدوة لحاملي راية الحق ونماذج طيبة للكل باحث عن الرقي.