آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

ثقافة الازمة

محمد أحمد التاروتي *

تفرض الازمات واقعا جديدا على البيئة الاجتماعية، بحيث تحدث انقلاب جذري في منظومة التفكير الجمعي، نظرا لوجود مستجدات عديدة تستدعي انتهاج اليات مغايرة تماما، عن الطريقة التقليدية السائدة، خصوصا وان الاستمرار على الأسلوب الاعتيادي، يعرقل الجهود المبذولة، لاحداث اختراقات حقيقية في طبيعة التفكير الاجتماعي، الامر الذي يلاحظ في أسلوب الحياة، وكذلك نوعية المعالجات المقترحة.

تلعب المخاوف الشديدة دورا في تحريك العقول الجامدة، بحيث تبدأ في التعامل بواقعية حقيقية، بعيدا عن المثاليات والتعاملات الخيالية، خصوصا وان الواقع الجديد يفرض اتخاذ أساليب، تنسجم مع التطورات على الأرض، بحيث تتوافق مع التحركات المتسارعة بخصوص تفاعلات الازمة الراهنة، فهناك العديد من الأساليب غير الفاعلة في المرحلة الراهنة، مما يتطلب تجميدها ومحاولة الاستغناء عنها، بشكل نهائي او مؤقت، باعتبارها ممارسات غير نافعة، او معطلة للمعالجات العملية، للسيطرة على الازمة القائمة.

الاستجابة السريعة للبيئة الاجتماعية مع التطورات المتسارعة للازمة، تعكس حالة من الوعي المعتمد على المعطيات الراهنة، فالاستجابة الإيجابية لمعالجة الازمة، لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، تكشف تطور الحالة الثقافية لدى غالبية الفئات الاجتماعية، خصوصا وان ”ثقافة الازمة“ تولد شعورا إيجابيا، وارتياحا كبيرا لدى الجميع، فالظرف الصعب الذي يعيشه المجتمع يستدعي تغليب ”ثقافة الازمة“ على ثقافة الرخاء والاستكانة، فكل مرحلة زمنية تتطلب استخدام الأدوات المناسبة، بما يحقق المصلحة المشتركة ويفرض ايقاعات محددة على الواقع المعاش.

تلاحظ ”ثقافة الازمة“ في الكثير من الممارسات اليومية، حيث تشهد الكثير من المتغيرات الطارئة، بخلاف أوقات الرخاء التي تتسم بتعاملات مختلفة تماما، فالقراءة الواقعية لمجريات الأمور، تخلق حالات من التوافق، والتعاون الكبير بين الفئات الاجتماعية، بحيث تبرز على شكل العديد من الاعمال ذات الغايات الموحدة، لاسيما وان ثقافة الازمة تفرض العمل المشترك، واستبعاد مختلف اشكال العمل الفردي، باعتباره تحرك غير منسجم مع ثقافة الازمات.

عملية استيعاب ثقافة الازمة، تختلف من مجتمع لاخر، فهناك مجتمعات غير قادرة على الاستجابة السريعة، مما يستدعي وضع الاليات الجاهزة والمعلبة، لتحريك العقل الجمعي، باتجاه الانخراط في المعالجات لتطويق الازمات، بينما توجد مجتمعات ذات فكر ثاقب وتفكير مرن، مما يدفعها لتجميد الأنشطة الاعتيادية، والانطلاق بقوه باتجاه الممارسات العاجلة، نظرا لوجود ظروف قاهرة تستدعي الاستغناء عن الممارسات السابقة، والحرص على استبدالها باليات جديدة، للتأقلم مع الظروف الطارئة، وبالتالي فان مقياس الاستيعاب مرتبط بطبيعة التفكير الاجتماعي، والقدرة على القراءة السريعة للظرف الطارئ.

وجود القنوات الإعلامية القادرة، على احداث اختراقات حقيقية، في العقل الجمعي، يمثل احد العناصر الأساسية لتكريس ثقافة الازمة في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان توجيه الرأي العام يتطلب وجود ماكنة إعلامية، ذات كفاءة عالية في الطرح، لاسيما وان الاعلام الضعيف او غير القادر على مواكبة المرحلة، يفشل في نشر ثقافة الازمة في المجتمع، الامر الذي يستدعي تشكيل قنوات إعلامية ذات إمكانيات كبيرة، للتعامل السريع مع التطورات، ومحاولة التعامل بمسؤولية كبرى معها بطريقة فاعلة، بهدف تحويل التفكير الاجتماعي باتجاه تلك الازمات، وخلق رأي عام حقيقي، مما ينعكس على تشكيل ثقافة الازمات، لدى مختلف الشرائح الاجتماعية.

استقبال المجتمع للازمات بالتفاؤل، واستبعاد النظرة التشاؤمية، يشكل احد العناصر لخلق مناخ إيجابي، للتعامل مع الازمات على اختلافها، فالمجتمع الذي يتعامل بروح تشاؤمية مع الازمات، غير قادر على اطلاق ”ثقافة الازمة“، بالشكل الملائم، نظرا لوجود تشويش كبير في طبيعة التفكير الجمعي، فيما الوضع يختلف تماما بالنسبة للمجتمع المتفائل، والإيجابي، فهو يتحرك وفقا للمعطيات على الأرض، للاستفادة من الازمة بشكل مختلف، بما يعود على البيئة الاجتماعية بالفائدة الكبيرة، فضلا عن تشكيل ثقافة مغايرة تماما، في شكل الممارسات اليومية، ونوعية التفكير الفردي، الامر الذي يساعد في وضع اليات جديدة، في طبيعة المعالجات بمختلف الازمات المستقبلية.

كاتب صحفي