آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

«كورونا» الأثر الاقتصادي «3»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

ليس من شك أن ”كورونا“ سيؤدي بالاقتصاد الإيطالي إلى كساد لا محالة، فالسياحة تمثل 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن منطقة الشمال الموبوءة هي المحرك الاقتصادي لإيطاليا وميلانو عاصمتها الاقتصادية، وهي التي ابتدأتها الحكومة الإيطالية بإجراءاتها الجادة التي اتخذت مسارا متباطئا في البداية.

لكن نهاية المطاف لن تكون كبدايته، بعد أن قررت إيطاليا الإغلاق التام، واستغاثت طلبا للمساعدة بعد أن أصاب التدفق الهائل للحالات منظومة الرعاية الصحية الإيطالية بالإعياء بعد أن أخذت تعمل بضعفي طاقتها، على الرغم من ضخامتها، فمعدل عدد أسرة العناية الفائقة لكل ألف في إيطاليا هو من بين الأعلى في أوروبا، بعد ألمانيا. أما المفارقة، فهي أن أهم صادرات إيطاليا هي الأدوية المعلبة، فهي أحد المنتجين الرئيسين لها في العالم، تصدر منها ما قيمته نحو 22 مليار دولار. كل ذلك لم يحصن إيطاليا، فالتحرك لمجابهة ”كورونا“ يتطلب قرارا يتخذ في الوقت المناسب، ثم إن عدم اتخاذ قرار هو قرار. ومهما يكن من أمر، يبقى واقع الحال أن مقدار تأثر اقتصاد إيطاليا يخضع لهيكلته ولتأثر الأنشطة المكونة له. يُضاف إلى ذلك أنه اقتصاد منفتح، فقيمة التجارة الدولية توازي 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أما صادرات إيطاليا من السلع والخدمات فقيمتها نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي، ثلثها صادرات من الخدمات. وقطاع الخدمات، وهنا الحبكة، هو الموظف الأكبر في إيطاليا، يوظف نحو 16,5 مليون متفوقا بنحو الضعف على بقية القطاعات مجتمعة.

الخدمات هي القطاع الأهم في كل الاقتصادات المتقدمة، لكن وظائفها إجمالا - ما عدا المبدع وعالي المهارة منها - قابلة للتبخر السريع في ظل ضغط اقتصادي طاحن، مثل الذي تعايشه إيطاليا حاليا من تعطل السياحة وما يتبعها من قطاعات فرعية سواء إيواء أو أطعمة وأشربه وترفيه. ليس متصورا أن يتعافى الاقتصاد الإيطالي المنهك حتى قبل قدوم ”كورونا“ دون أن يقضمه الركود قضمة تجعله يراوح. ومن يدري فلعل إيطاليا تخرج من هذا الكابوس وقد أصبح سياسيوها أكثر اتفاقا على ما ينبغي عمله لانتشال الاقتصاد عوضا عن إغراق بعضهم بعضا.

وفصول اجتياح ”كورونا“ للعالم تتوالى، وتعامل الدول يتفاوت، فقد خرجت بريطانيا عن المألوف بخطة ”مناعة القطيع“، وبدت الخطة وكأنها تمثل استسلاما مبكرا بأن لا طاقة للنهوض لـ ”كورونا“ فلندعها تأخذ دورتها لنرى أي مسلك ستسلك. لكن يبدو أن خطة ”مناعة القطيع“ تلعب على حواف نظرية الاحتمالات، وتنطوي على رضوخ للتحديات بما في ذلك تحدي السِعَة... يتبع.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى