آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 9:00 م

كورونا.. المساجد

محمد أحمد التاروتي *

مبادرة إيقاف صلاة الجماعة في المساجد، التي اتخذها العديد من الائمة خلال الأيام الماضية، تمثل خطوة اجرائية للانسجام مع مجمل الخطوات الاحترازية المتخذة خلال الفترة الماضية، بهدف إيقاف انتشار فيروس كورونا في المجتمع، خصوصا وان صلاة الجماعة تمثل احدى الوسائل لانتقال الفيروس بشكل سريع، الامر الذي يفرض اتخاذ مثل هذه الخطوة لحماية الجميع من الإصابة بالمرض.

قرار إيقاف صلاة الجماعة من القرارات الواعية والصائبة، في المرحلة الاستثنائية الراهنة، خصوصا وان محاولة ”دفن الرأس في الرمال“ ليس مجديا على الاطلاق، فالجميع يلمس الانتشار السريع والكبير للفيروس عالميا، مما يستدعي انتهاج سياسة الاحتراز، بما ينسجم مع المناشدات الصحية لتجنب التجمعات بمختلف اشكالها، وبالتالي فان إيقاف صلاة الجماعية يدخل ضمن سياسة حفظ النفس، وحماية الأرواح من الإصابة بفيروس كورونا.

المرحلة الراهنة تتطلب تظافر الجهود، والعمل بشكل متكامل، للخروج من عنق الزجاجة، خصوصا وان التداعيات المترتبة على انتشار فيروس كورونا، ليست خافية على الجميع، فالكل يلاحظ الخسائر البشرية التي تتعرض لها الكثير من الشعوب، نتيجة تفشي الفيروس بصور مرعبة، وبالتالي فان العمل الجماعي يمثل الخيار الأفضل للانتصار على التحدي الصحي، الذي يعيشه المجتمع في الوقت الحالي، بمعنى اخر، فان محاولة الهروب للامام ليس مجديا على الاطلاق، فالمطلوب التعاطي بشكل عقلاني ومتوازن، بما يحقق المصلحة المشتركة، والحصول على النتائج المرجوة، عبر الالتزام بالخطوات الاحترازية، لتجنب الوقوع في أخطاء الاخرين.

مواجهة الواقع الاستثنائي بخطوات جرئية وشجاعة، يمثل احد الخيارات المثلى في المرحلة الحالية، نظرا لخطورة الموقف على المستوى الفردي والاجتماعي، بحيث يتجلى في ارتفاع عدد الإصابات بشكل يومي، وبالتالي فان التفكير العقلاني يدفع باتجاه انتهاج سياسة حفظ النفس، وتفادي الوقوع في أخطاء الاخرين، اذ ساهمت المعالجات البسيطة او عدم المبالاة لدى الدول، في خروج الامر عن السيطرة، مما ساهم في ارتفاع الوفيات، وانهيار المنظومة الصحية في تلك الدول، مما فرض اتخاذ خطوات صارمة، لايقاف انتشار الفيروس بصورة غير مسبوقة.

تفهم الموقف من إيقاف صلاة الجماعة، يمثل احد العناصر الأساسية للتعاطي مع الامر بمسؤولية، لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، فالصدى الإيجابي لقرارات إيقاف صلاة الجماعية، يعطي صورة مشرقة لدى البيئة الاجتماعية، خصوصا وان القرار يتعاطي مع الامر بشكل إيجابي، مما يشكل ظاهرة إيجابية لدعم سلسلة الإجراءات الصحية المتخذة، لتطويق فيروس كورونا ضمن دائرة ضيقة للغاية، مما يسهم في الانتصار على الفيروس في المعركة المفتوحة حاليا.

الشعور بعظم المسؤولية لدى أئمة الجماعية، بحماية الأرواح، وعدم المجازفة في التضحية بالانفس، مهما كانت الأسباب والدوافع، يشكل احد الأسباب وراء اتخاذ القرارات في المرحلة الراهنة، خصوصا وان صلاة الجماعة تجسد في احدى أهدافها الكبيرة، مبدأ التعاضد الاجتماعي، والتعاون بمختلف اشكاله، وبالتالي فان المسؤولة العظيمة تفرض اتخاذ القرارات ذات العلاقة، بالمصلحة المشتركة بالدرجة الأولى، لاسيما وان استمرار صلاة الجماعة في ظل الظروف الحالية، يسبب العديد من الإشكالات الصحية، لدى العديد من الشرائح الاجتماعية.

الاستجابة السريعة للمجتمع مع الخطوات الاحترازية على اختلافها، تعطي الثمار المرجوة خلال فترة زمنية قصيرة، فيما التغريد خارج السرب يلقى باثار سلبية على الجميع، ف ”الشر يعم“، وبالتالي فان ردود الأفعال الإيجابية لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، جراء إيقاف صلاة الجماعة، يعطي انطباعات بوجود تفهم ووعي، بتحديات المرحلة الراهنة، الامر الذي يستدعي التعامل معها بما يتقاضي من اليات ذات اثر كبير، خصوصا وان محاولة التهرب من المسؤولية يولد العديد من الإشكالات، والاضرار الجسدية والنفسية في المجتمع.

تبقى المسؤولية الاجتماعية محرك أساسي، في اتخاذ القرارات الشجاعة، باعتبارها جزء من الوعي الذاتي، لتحصين البيئة الاجتماعية من المخاطر الخارجية، سواء كانت تلك المخاطر صحية او غيرها من المخاطر، وبالتالي فان إيقاف صلاة الجماعة تدخل ضمن المخاطر الحقيقية، التي تهدد الصحة العامة، مما يستدعي وضع الاطار المناسب، بما ينسجم مع التفكير العقلاني.

كاتب صحفي