آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

الإمام موسى بن جعفر (ع)

عبد الرزاق الكوي

قال تعالى: ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ليطهركم تطهيراً

تحل علينا مناسبة وفاة الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، في هذا الظرف العظيم على البشرية يحرم شيعة واتباع أهل البيت بسبب هذا الظرف العصيب حضور المجالس المبارك للمشاركة في تقديم العزاء للرسول ﷺ والأئمة ، فإن حرمت محبيهم وشيعتهم الظروف القاهرة من حضور واجب التعزية أن لا يحرم الله البشرية الشفاء وزوال هذه الغمة عن هذه الأمة بحق عبده المظلوم في غياهب السجون أكثر أيام حياته أحد أعلام الهداية، ولد هذا الإمام الطاهر في الأبوة قرية بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، في السابع من صفر سنة 128 هجري، أمه الجليلة الفاضلة السيدة حميدة بنت صاعد، نشأ في ظل ورعاية كريمة من والده الإمام الصادق ، في وقت إمامته وقبلها سالت دماء أهل البيت واتباعهم قاموا بكل ما أوتيت من قوة ومكر وخداع لطمس معالم الدين ومحو الإسلام من الوجود والعودة للجاهلية، كانت كابوس من الظلم والسلب والنهب والقمع والقتل، خرجت ثورات متعددة أوجعت الحكم وهزت أركان الظالمين المتهاوية، حتى زال عن كاهل الأمة بعد قتل الإمام الحسين ، وصلت الخلافة للعباسيين واستلموا زمام السلطة حيث كانوا يدعون في ثورتهم الولاء إلى أهل البيت والدعوة لنصرتهم، وعند استلامهم الحكم استفردوا بالسلطة وانقلبوا على أهل البيت ولم يختلف منهجهم وطريقة تعاملهم عن من سبقهم بل في مواقع زادوا ظلما عليهم في تعاملهم مع أبناء الرسول ﷺ واتباعهم، فاستمرت هذه المعاناة طويلا حيث استمر حكمهم الظالم لأكثر من خمسمائة عام حتى سقطت دولتهم، سطروا تاريخ أسود من العداء للإسلام ومحاربة الدين وقتل أئمة أهل البيت واتباعهم.

تعرض جميع الائمة في العهد العباسي لصنوف العذاب والتهوين والظلم لأن وجود الائمة يمثل امتداد لجدهم صلى الله عليه واله، وهو ما يخالف ما يعمل به في الواقع المعاش من النواحي الدينية والسياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية، فقد شوهوا بفعلهم كل القيم والأخلاق، قام أئمة اهل البيت لإصلاح ما يمكن إصلاحه وحماية الدين من اعدائه المتربصين به، فهذا الإمام الطاهر الزكي باب الحوائج كان من أكثر الائمة امتحان ومظلومية، تحمل جميع أنواع المشاق بصلابة وبدون رضوخ أو المساومة على مبادئه، عمل بواجبه الشرعي المناط به وتحمل المسؤولية وأدى الأمانة للدفاع عن القيم المهدرة في وجه اعتى طواغيت الانسانية واشدهم إجرام لا يتورعون عن القتل في الضنة او الشبهة، فكان خصمهم ومن يفضح منكراتهم هم الائمة فسالت دمائهم مع اتباعهم حقدا وكرها لما يمثله الوجود الطاهر في الواقع الفاسد، عاصر الإمام موسى بن جعفر أقسى الخلفاء شراسة وبغض لأهل البيت ، أربعة يملئهم الحقد والكره وهم المنصور والمهدي والهادي وهارون، اتسم حكمهم بالشدة والقتل والتشريد وامتلأت سجونهم بالعلويين وبالغوا في تعذيبهم وتشريدهم بلا رحمة، حتى وصل زمام الحكم إلى هارون الرشيد فكانت أكثر الأيام معاناة للإمام ، فما يملكون من عقدة النقص ووجود الإمام الذي يمثل الشرعية والتفاف اكثرية الناس حوله لم يرق له ويفقده المشروعية المزيفة ويوضح اغتصابه وتحكمه على رقاب الناس بدون حق، ففضائل الامام وموقعه الديني وحاجة الناس اليه والتفافهم حوله ومحاربته لموجات من الاتجاهات العقائدية المنحرفة الخارجة والبعيدة عن الاسلام وكشفه للروح العنصرية المستشرية في الأمة المدعومة من قبل السلطة حيث عمل على خلق بدائل منحرفة لابعاد الناس عن الائمة وما يمثلونه من مثال صادق للإسلام، فحملوا الناس على الأفكار الدخيلة والمنحرفة وبثها في المجتمع، ورغم ذلك لم تتغير محبة الناس وولائهم واتباعهم للامام ، كل ذلك ولد مزيد من حقد وكراهية ومحاربة لإمام واصحابه، لم يراعوا اي حرمة وقداسة لرسول الله صلى الله عليه واله ولم يكن لهم وازع يردعهم عن كل امر خبيث.

وأرسل الإمام رسالة إلى هارون الرشيد أعرب فيها عن نقمته عليه، وهذا هو نَصّها :

«إِنّه لن يَنقضي عَنّي يوم من البلاء، حَتى ينقضي عَنك يوم من الرّخَاء، حتى نَفنَى جميعاً إلى يومٍ ليس فيه انقضاء، وهُناك يَخسرُ المُبطلون» .

أربعة عشر عاما من حكم هارون لم ينل فيها الامام الا الظلم والمعاناة المستمرة، رغم سلمية اتجاه الامام موسى بن جعفر ، ومشروعه الإصلاحي في الأمة، لم يشفع له ذلك، فمنذ استلامه مقاليد الحكم سنة 170 هجري حتى سنة 183 هجري، تنقل فيها الامام من سجن الى اخر، لقي في هذه السجون ألوان المصاعب والمكاره داق فيها صنوف الهوان والتنكيل راقبته العيون الظالمة، لن يرعوا لله فيه الا ولا دمه، توارثوا فيها عدائهم وحقدهم فادخلوا الثكل والحزن والحداد على بيوت العلويين بدعم من وعاظ السلاطين وباعة الضمير والموتورين والمتزلفين واصحاب الأقلام المدفوعة الثمن في خلق واقع مزيف وحربا معلنة عن القيم والاخلاق، عملوا من اجل متاع الدنيا وزخرفها باستنباط احكام واحاديث مزيفة ومدسوسة ومنع تداول أقوال وسيرة الامام علي وأولاده ، وسجن من يعلن ولائة لهم، فكان الواقع بمجمله حربا معلنة على الدين ومن يمثله.

وقول الإمام الحسن عليه السّلام خير شاهد: واللهِ إنّه لعهدٌ عهِدَه إلينا رسول الله صلّى الله عليه وآله.. ما مِنّا إلاّ مسموم أو مقتول.

قضى الامام زهرة شبابه في السجون المظلمة وعداباتها من سجن البصرة وصولا الى سجون بغداد لا يعرف منها الليل من النهار وفي اوضاع غير إنسانية مكبلا بالحديد، فكان اخر سجونه في سجن السندي بن شاهق فكان لا يتورع عن ارتكاب اي منكر لرضا السلطان فغالي في التضييق على الامام موسى بن جعفر وهو من الحاقدين على اهل البيت ، حتى جاء أمر هارون العباسي بدس السم للإمام فاستشهد عن عمر 55 عام في 25 من رجب سنة 183 هجري، ودفن في مقابر قريش ببغداد وتعرف اليوم بأسم الكاظمية حيث تهفوا لها القلوب قبل الاجساد شوقا لزيارة باب الحوائج لما عرف عنه من الكرامات والتبرك بمرقده الطاهر.

اشتهر الامام موسى بن جعفر بكاظم الغيظ، وهي صفة أخلاقية حميدة، لا تتصف بها إلا النفوس الكبيرة والشخصيات الفدة الشريفة ملكة قل ان تجدها الا في بيت عظمة خلقه وزانت تربيته وتمسكه بالدين الحنيف، وردت فيها نصوص كثيرة دالة على فضل الكاظمين، حيث يعني اجترأت الغيظ والإمساك عن إبدائه كانت من السمات الكريمة في ظل المحن والابتلاءات، رغم مما كان يواجهه من ادى وظلم وجبروت العباسيين وجلاوزتهم فقد أمعنوا في ظلمهم وتنكيلهم وسجونهم الرهيبة الخالية من اي إنسانية تنتهك فيه كل الأعراف، وكظم الغيظ صفة أخلاقية هامة تحدث عنها القرآن الكريم: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

كان صابرا شاكرا عابدا متقربا في كل مصابه ألمت به لله عز وجل، لم يظهر ضعفا ولاتراجعا عن موقف، ولا تنازل عن مبدأ، اتباعا لسيرة ابائه وأجداده ، ومن أتى من بعدهم خدمة للدين ووقوفا مشرفا في وجه الظلمة المغتصبين، نذروا أنفسهم للحق والدفاع عنه، لم تكن من خلقهم الاستسلام لسلطة ظالمة مهما عظم إجرامها وهدمت خلقها، اجمع المؤرخون وكتاب السير انه يقابل الإساءة من أعداء اهل البيت وغيرهم بالإحسان والعفو شأنه شأن جده النبي صلى الله عليه واله والأئمة ، ومرقده اليوم الطاهر كبقية مراقد الائمة مزار شريف يطاول الثريا شرفا وعزا، يقصده المؤمنون من كل أنحاء المعمورة،، بابا من أبواب الحوائج وبركة تنير القلوب صفاء وبهجة، انتقل الى الرفيق الأعلى شهيدا مظلوما، وتبقى ذكراه خالدة نور من الأنوار المحمدية، يأخد من سيرته العطرة نموذج يقتدى به، تاريخ شامخ بالسمو والعطاء والثبات رغم كل الخضوب، ارادها الطغاة محاربته في حياته وطمس تاريخه المجيد بعد شهادتها وبان العظيم من سجاياه، نشاهد اليوم المكانة العظيمة لمراقد الائمة ونرى تاريخ اعدائهم حافل بأحلك السواد.