آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

«كورونا» الأثر الاقتصادي «4»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

تدير جائحة ”كورونا“ العالم، وبين الفينة والأخرى تصدر قرارا مؤلما غير مكترث. في الأساس هي أزمة صحية، لكنها فرشت غماماتها في كل المساقات؛ اجتماعيا واقتصاديا وأعلى من ذلك وأدنى. بالأمس أجلت بطولة ”يورو 2020“ لكرة القدم. وتفاديا لشرها، أخذ العالم يلقي على ”كورونا“ جميع أنواع ”المياه“ ليطفئها. يوم الأحد نسقت ستة بنوك مركزية حزم ”تيسيير كمي“ لمنع أسواقها المالية من ”الذوبان“، فكانت النتيجة أن شهد اليوم التالي ذوبانا في الأسواق الرئيسة شرقا وغربا.

في عالم ”كورونا“ كل شيء يتحرك بسرعة، فقبل أيام قليلة كانت دول تعطي للأمر طرفا ضيقا من اهتمامها، وكان هناك من يلومها لتراخيها، وعلى النقيض كانت ثمة دول تعطي أمر مبادأة ”كورونا“ كل اهتمامها وكان هناك من يلومها لمبالغتها. الآن، بدأ يتضح المشهد وتزول الضبابية، ليصل الجميع إلى نتيجة هي أن من تراخى قد أخطأ، ومن اهتم - مهما كانت درجة اهتمامه عالية - فلم يبالغ.

وفي هذا الخضم خرجت بريطانيا عن المألوف بخطة ”مناعة القطيع“، المثيرة للجدل. حيث بدت الخطة وكأنها تمثل استسلاما مبكرا بألا طاقة لبريطانيا للنهوض لـ ”كورونا“، وستدعها تأخذ دورتها لنرى أي مسلك ستسلك. لكن يبدو أن خطة ”مناعة القطيع“، التي تلعب على حواف نظرية الاحتمالات، وتنطوي على رضوخ للتحديات، بما في ذلك تحدي السعة، ستستبدل بخطة أكثر صلة بالواقع، تنطوي على التحوط للحد من المخاطر الفتاكة للجائحة.

ومرتكز ذلك أنه ما دام أن السعي إلى كسر شوكة انتشار الفيروس ممكنا، فلا بد من الكفاح. واستخدام كلمة ”الكفاح“ في محله تماما، فاليوم - فقط اليوم - بدأ تعبير ”حالة حرب“ يظهر في الصحافة البريطانية بعد أن أخذت المحال تغلق، فيما الناس ركنوا إلى منازلهم، فأخذ المشهد يتغير إلى مدن خالية من أي نشاط، إلا آحاد يقصدون بقالة أو صيدلية. وكلمة ”حرب“ استخدمها الرئيس ماكرون في خطبته البارحة الأولى نحو خمس مرات، وهدد من لا يلتزم بالتعليمات بالعقاب، وفي الليلة نفسها ألقى الرئيس الأمريكي ترمب خطابا لا يقل حثا لقاطني الولايات المتحدة على تجنب المخالطة والحد من السفر إلا لضرورة.

أما الحال في إيطاليا وإسبانيا، فحظر تام. والوضع في بريطانيا يتجه إلى الاتجاه ذاته، فالأيام التي ضيعتها بريطانيا استنادا إلى ”مناعة القطيع“، هي أيام حاسمة في انتشار الفيروس في قارة أوروبا، التي أخذت وقتها لفرض حظر للسفر. وحاليا، يقدر عدد الحالات في بريطانيا بين 35 و55 ألفا. أقول هذا لأسأل: انتشار أم انحسار؟ أمامنا أيام قليلة لنفوز في الحرب ضد ”كورونا“. وسننجح بفضل الله ثم بحذق القرار وجدية الالتزام. ”يتبع“.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى