آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

قيامة الساعة!

لم يكن لدي ساعة في السنوات الباكرة من صباي وكنت أعتبر أن من يلبسها هم فقط النساء وطبقة الأرستقراطيين، الطبقة العليا من الأغنياء والأشراف وذوي الجاه، الذين يملكونَ ما يزيد عن حاجتهم، لكي تبدو جميلةً على معاصمهم!

ساعتي كانت الشمس والقمر والعمل. كان القمر يعني أنا أنامَ وإخوتي كلنا في مكانٍ واحد. فحتى اللحظة لا يزال صوت أخي الأكبر سناً مني يفور في ذاكرتي، يقص علينا حدوثة ”علي بابا والأربعين حرامي“، يكررها كل ليلة وتبدو أمتع! أما مطلع الشمس فَيذكرني بالركضِ نحو دكان الخباز والاصطفاف لشراء الخبز وقضمه سريعاً مع كأس من الحليب والنط نحو المدرسة. قليلا من المذاكرة وكثيراً من البهجة والعمل فيما تتطلبه الحياة وتعود الشمسُ سريعاً تغرب من جديد.

ولما توفر لدي المال، انتقمتُ من هذه الحالة التي اعتبرتها تمثل البؤسَ والحرمان، واشتريت أنواعَ الساعات، فلم يخلو معصمي من واحدةٍ إلا بعد أن كبرت ووضعتهم كلهم سالمين في أدراجِ الذكريات والخردة. ثم جاء الزمنُ مصحوباً بأتفه المخلوقات وأنساني الساعةَ وذكرني بأن النعمَ لا تدوم!

يوم أمس تجادلنا، أنا وزوجي، في تاريخ اليوم. تجادلنا في التاريخ ولم نتجادل في فصلِ الربيع الذي أعلنت الأشجارُ قدومه في اخضرارِ عودها وأوراقها وامتلائها بالورد والزهر والثمر. فعلاً، أنا لم اعد احتاج معرفةَ الوقت والتاريخ في هذه الأيام من الزمن، فلا معاملات ولا مواعيد ولا لقاء، عدتُ بدائياً بسيطاً في احتياجاتي. مخلوقاتٌ حقيرة الحجم أقامت بيني وبين العولمة سداً وذكرتني بإيجابيات البساطة، فلا سفر ولا رفاهية، وعاد الزمان لما كان عليه قبل هذه المخلوقات ولو لفترة محددة. دار الزمن فإذا بي مخلوق معجونٌ من ترابِ الفصولِ والأحوال وليس من الدقائقِ والساعات.

وأنا أكتب بعضاً من ذكريات هذه الفترة متصلاً بالعالم عن بعد، حيث المنع من الخروج بين السابعةِ مساءً والسادسة صباحاً، أدركت قيمةَ الوقت ورخصَ الساعة، وكيف كان العلماء والمفكرون والعاملون يقدرونَ الوقت وتغريهم الوحدة بين العمل والفكر والقلم. وأدركت أيضاً أنه إذا قلَّ شيء غلا وإذا توافر رخص، بما فيها الوقت!

يُروى أن المسيح قال: ”لا تطرحوا الدرَّ تحت أرجلِ الخنازير“،   فها أنا ذا لن أتواطأ مع أرجل الزمن لتدوسَ وقتي وأنساه. وها أنا ذا احتفل بعودتي للزمن وأُذكر " اشتروا الوقتَ ولا تشتروا الساعات".

مستشار أعلى هندسة بترول