آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

ليلةَ أمس استضفنا النجوم!

قبل غروبِ شمس يوم الاثنين 23 آذار/مارس، كان الشارعُ مزدحماً تتسارع المركباتُ والمشاةُ فيه بوتيرةٍ أعلى مما اعتدنا، في منظرٍ يشبه مناظرَ شهر رمضان، حين يهرع الصائمون للإفطار، مع أنه بقي أكثر من شهر قبل أن يحل شهرُ رمضان.

أطللت برأسي من نافذةِ المنزل بعد الساعة السابعة مساءً فكان منظراً صادماً لم أره من قبل في حياتي! خلت الشوارعُ من المارة والمركبات. قليلةٌ هي المشاهد التي تشبه منظر البارحة، إذ غابت الأصوتُ واختفت الحركةُ من الشارع. كان منظراً مؤذٍ للشعورِ والإحساس. أدعو اللهَ ألا أراه مرةً اخرى ما حييت.

ثم أطللتُ برأسي مرةً أخرى قبل طلوع الشمس فوجدت الشارعَ أشد صمتاً من مساءِ أمس. لم يقطع الصمتَ فيه وينبأ بالحياة سوى أصواتُ ديكة عند أحد جيراننا تعلو بين الفينة والأخرى، ارتاحت لسماع صوتها الذي في العادة يختفي بين ضجيجِ العابرين، وأصوات قُمْر بَنين بين أفنانِ أشجار جاري أعشاشاً، هل كنَّ هناك منذ مدة؟

لم ألتقِ صباحَ اليوم 24 بأشعةِ الشمس خارجَ المنزل، فأنا ممن يفرحني منظر تسلل خيوط الفجر الحمراء والصفراء تسبق طلوعَ الشمس مبعثرةً من أطيافِ الضوء، ويفرحني انتشارُ الطلبةِ والكسبة والعمال في الطرقاتِ مع ما يسببونه من فوضى وازدحام. اشتقتُ لذلك الازدحام ودعوت اللهَ أن يعودَ بما فيه من ضجيجٍ وصخب.

مشهدٌ تجلت فيه قدرةُ الله فينا، إذ عدو صغير لا يُرى بالعين اختطفَ منا الراحةَ وباعدَ بيننا وبين ما اعتدنا مسافةً طويلة. مشهدٌ يجب أن يبقى في ذاكرةِ تاريخِ الإنسان أن من يهب الحياةَ ويحكم الوجود يستطيع سلبها. ومن يسلبها هو وحده القادر على إعادتها من الموتِ مرةً أخرى. في الدقيقةِ الستين بعد الخامسة صباحاً خرجتُ نحو الشارع، شعرتُ بسكينةٍ واطمئنان حيث عادت الحياةُ وإن بوتيرةٍ أخف وأكثر حذرا.

مشهدٌ ينبهنا لحقيقة أنه متى ما شعرنا في أنفسنا بشيءٍ من وهمِ القدرة والإستقلالية، وحسبنا أنّ حياتنا مدينةٌ لعوامل منفكة عن إرادةِ الله، أماتنا اللهُ وأحيانا ليخبرنا أنه هو من له الأمرُ كله، وليس لنا من الأمر شيء "وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ? وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ? يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ? وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".

مستشار أعلى هندسة بترول