آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

الغَيْبَة في الإسلام

فؤاد الحمود *

مفهوم الغيبة كمصطلح ينقسم إلى نوعين في نسبته للإمام صاحب الأمر :

الأول: الغيبة الصغرى، والتي استمرت من استشهاد الإمام الحسن العسكري حتى سنة 329 ه؛ حيث كان للإمام نواب خاصون محددون بأعيانهم، وهم أربعة من خلص الشيعة بدءاً من عثمان بن سعيد العمري ثم ابنه محمد بن عثمان العمري وبعده الحسين بن روح النوبختي وآخرهم - رضوان الله عليهم - علي بن محمد السمري وانتهت معهم وبهم فترة الغيبة الصغرى؛ حيث كانت الشيعة تأخذ معالم دينها عن طريق النواب الأربعة.

الثاني: الغيبة الكبرى، وبدأت من سنة 329 هـ مع وفاة علي بن محمد السمري وهي مستمرة إلى أن يأذن الله لوليه بملئ الأرض قسطا وعدلاً؛ كما بشّر بذلك النبي المصطفى ﷺ.

وقد تصدى العلماء الأبرار لقيادة الأمة الإسلامية دفاعا وتبيانا للدين ومعالمه وأفكاره للناس؛ حتى حازت العلماء مقام النيابة وأصبحوا نواباً عاميّن مستلهمين مشروعية ذلك من جمع من الروايات الصادرة عن أهل بيت العصمة ومن الأصول العملية «وأبرزها ما ورد عن المهدي سلام الله عليه: ”وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا فهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم“، وقوله: ”وأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفاً لهواه مطيعا أمر مولاه فللعوام أن يقلدوه“».

فبرز في الغيبة الكبرى التحدي الكبير والمقام الشامخ للعلماء الربانيين في حفظ الدين وشريعة سيد المرسلين؛ فتطورت نشاطات النواب العامين بحيث أصبح من يتسنى هذا المنصب يقوم بأعباء كبيرة في حفظ الشيعة من الإشكالات الفكرية والعقائدية وكان خلالها لهم الأدوار المختلفة حسب الأزمنة المتعاقبة إلى أن اتضحت أهميتهم في حفظ الشرع والمحافظة على المؤمنين كما هو بارز في زماننا هذا.

والسؤال هنا: هل كانت الغيبة من مختصات الإمام الحجة ؟

في الواقع الخارجي الذي عاشه المعصومون نجد أن مفهوم الغيبة قد وقع عليهم جميعا بلا استثناء؛ فبدءاً من الرسول الكريم كما في شعب أبي طالب حيث كان الملاذ لبني هاشم حين فرضت عليهم قريش الحصار الجائر اقتصاديا واجتماعيا بسبب عدم تخليهم عن النبي ﷺ، واستمر ذلك الحصار ثلاث سنوات وكان لأبي طالب وابنه علي عليهما السلام الدور الكبير في الحفاظ على شخص النبي الكريم.

ثم تبعه خليفته بالحق علي بغيبة أخرى حيث - وبأسلوب آخر - بقي في داره بعد تنحيته من منصب الخلافة الظاهرة خمسة وعشرين سنة، وهو القائل: «" فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى...»

كما أن سيرة الأئمة تباعاً على هذا الحال - ضيقاً وسعةً - بين كل إمام وآخر، وإن كانت ظهرت الغيبة جلياً في حياة الإمام الكاظم وما بعده من الأئمة في تعقب واضح بين سجون وإقامات جبرية بعناوين ومسميات مختلفة أخترعها أئمة الجور في أزمانهم.

بهذه القرائن يتضح وينكشف أن مفهوم الغيبة لم يكن مختصا بالإمام الحجة بل أنه وقع في حياة جل أو كل المعصومين وبأساليب مختلفة.

وما أحوجنا في هذا الزمن وفي هذه الظروف العصيبة أن نقوي علاقتنا بإمام زماننا ونكون مبشرين للعالم بأن خلاصهم وخلاص الانسانية سيكون على يد المخلص الذي بشرت به الأنبياء والرسل.

ولنكن رسل السلام إلى البشرية التي عمّها الظلام والانغماس في براثن الجهل والبعد عن المصلح الذي سيعيد للأرض حيويتها ورونقها والذي سيحقق حلم الأنبياء ووراثة الخلافة الحقة على الأرض،

وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ