آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

كورونا.. الرعب

محمد أحمد التاروتي *

الهلع والخوف من الإصابة بفيروس كورونا مبرر، بالإضافة لكونه يأتي ضمن الإجراءات الاحترازية التي يدعمها التفكير العقلاني، لاسيما وان الاستهتار وعدم اللامبالاة تترك تداعيات، يصعب السيطرة عليها، وبالتالي فان انتهاج سبيل الوقاية لحماية النفس من الوقوع فريسة سهلة لفيروس كورونا، يمثل الخيار العقلاني في المرحلة الحالية، نظرا لقدرة الفيروس على اختراق جميع الحواجز المادية، الامر الذي يتمثل في تزايد الضحايا على المستوى العالمي، بحيث تظهر في الجنائز اليومية في جميع دول العالم.

بث الرعب في النفوس، والحذر من التعاطي بسلبية، مع اخطر وباء يضرب البشرية حاليا، لا يعني إصابة المجتمعات البشرية ب ”فوبيا“، او زرع ثقافة ليست واقعية، وانما يستهدف وضع الجميع في الصورة الواقعية، والتعامل بشفافية عالية، خصوصا وان البشرية ليست قادرة على السيطرة على الوباء بالطرق العلاجية، مما يستدعي اثارة الرأي العام لتفادي الوقوع في المحظور، والدخول في المنطقة الخطرة، لاسيما وان التراخي في التعاطي مع فيروس كورونا، يسهم في حصد المئات من الأرواح بشكل يومي، فيما تكاتف الجهود الدولية لمواجهة وباء كورونا، يساعد في تقليل الوفيات والعمل على تحصين المجتمعات البشرية، من الوقوع ضحية لعدو ما يزال قادرا على الانتشار بصورة مرعبة، وغير مسبوقة خلال العقود القليلة الماضية.

التعامل بحساسية مفرطة مع مخاوف ”كورونا“، يعطي نتائج سلبية في الغالب، خصوصا وان سيطرة ”الفوبيا“ على المنظومة الفكرية للمجتمع، يجعل عملية الانفكاك من تداعيات الخوف صعبة للغاية، نظرا لارتباطها بحركة الممارسات اليومية سواء على الصعيد الفردي او الاجتماعي، مما يفرض انتهاج الحذر وعدم الانسياق الكامل وراء ”الهلع“ دون وعي، لاسيما وان امتلاك الوعي العقلاني يقضي على جميع المخاوف السلبية، ويضعها في الاطار الواقعي، بعيدا عن التهويل، او الاستجابة للضغوط الخارجية، المرتبطة بالضخ الإعلامي السلبي، الساعي لاشاعة الفوضى الفكرية في المنظومة الثقافية الإيجابية، لدى غالبية المجتمعات البشرية.

ثقافة الرعب ليست مطلوبة في جميع الأوقات، نظرا للتداعيات المترتبة على بث هذه النوعية، من المفردات في البيئة الاجتماعية، لاسيما وان الخوف يقضي على الثقافة المتفائلة، وينشر المفردات الانهزامية، في التعاملات اليومية، وبالتالي فان العملية تتطلب حالة من التوازن، والتعاطي بعقلانية شديدة، بهدف السيطرة على الوضع، وعدم خروج الأمور عن السيطرة، مما يعقد القضية ويدفعها باتجاه أخرى غير محسوبة النتائج، لاسيما وان البعض يفتقر للاليات المناسبة، لانتهاج الوسيلة الوسطى، الداعمة للتفريق بين الخوف ”الإيجابي“، والهلع ”السلبي“، في التعاطي مع مختلف القضايا سواء الثقافية او المجتمعية.

القدرة على الخروج من مأزق الخوف السلبي، مرتبط بوجود ثقافة مجتمعية قادرة على احداث، تحولات حقيقية في بنية التفكير الفردي، لاسيما وان المجتمع يمثل الرافعة الحقيقية لتزويد المرء بالارادة القوية، لتجاوز جميع الصعاب الحياتية، وبالتالي فان اخفاق المجتمع في بث الثقافة الإيجابية بخصوص ”الهلع“، ينعكس على طريقة العلاقات الاجتماعية بصورة مباشرة، بمعنى اخر، فان التعويل على المجتمع للخروج من ازمة الخوف ”السلبي“، يشكل سندا أساسيا في جميع مسارات الازمة، وكذلك التحولات الاجتماعية المرتبطة، بمدى انتشار هذه الثقافة في الحياة اليومية بشكل عام.

العامل الحاسم في تفويت الفرصة على حملة الخوف ”السلبي“، يتمثل في تطويع الرعب الى حركة تنموية، وداعمة للمسيرة التفاعلية مع الاخطار، خصوصا وان النظرة المتشائمة تحرم البشرية من الاستفادة من الظروف القاهرة، بما يحقق الفائدة الكبيرة للمسيرة البشرية، لاسيما وان الأوبئة تمثل تحديا حقيقيا، لقدرة البشر على مواصلة العمل، بعيدا عن الثقافة الانهزامية، التي تحاول بعض الفئات بثها بطريقة مباشرة او غير مباشرة، فالجميع يدرك ان الامراض مثلت محركا للبحث عن النور وسط الظلام الدامس، مما انعكس على المسيرة العلمية طوال القرون الماضية.

كاتب صحفي