آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 3:27 م

كورونا.. النضج

محمد أحمد التاروتي *

تعكس طريقة التعاطي مع الازمات مستوى النضج الاجتماعي، فاذا اتسمت الفوضوية والاستهتار، وعدم تقدير الموقف، فانها تعطي إشارات سلبية بشأن التعامل المسؤول، مع معالجة الازمات على اختلافها، فيما ستكون النظرة إيجابية واكثر نضجا، بمجرد التعامل باحترافية، ومسؤولية عالية، خصوصا وان النضج يمثل المحرك الأساس وراء اتخاذ المواقف، تجاه مختلف الازمات الطارئة او المستدامة.

ازمة كورونا تمثل احدى الازمات الطارئة، التي شكلت تحديا حقيقيا في اكتشاف مستوى النضج الاجتماعي، فهناك العديد من الاليات التي تظهر في طريقة معالجة الازمة، بحيث وضعت الجميع في صورة المجريات، الامر الذي اعطى انطباعات مختلفة تبعا للاساليب المستخدمة، في التعامل مع ازمة كورونا، خصوصا وان المعالجات الصحية تمثل احدى الصور الماثلة للتغلب على فيروس كورونا، ولكنها ليست قادرة على القضاء على المرض بشكل كامل، مما يستدعي انتهاج الأساليب الثقافية للحصول على النتائج الناجعة، والكفيلة بإعادة الأوضاع لسابق عهدها.

الاستقبال الواعي لعملية معالجة ازمة كورونا لدى المجتمع، تدفع باتجاه وضع المسار المناسب للقضاء على الفيروس، والحيلولة دون انتشاره بشكل كبير، وبالتالي فان العملية مرهونة بمستوى النضج الاجتماعي بشكل أساسي، لاسيما وان الاستقبال غير الواعي يشتت الجهد الجماعي، ويقضي على كافة الخطط المرسومة، من قبل الجهات المختلة، بمعنى اخر، فان مستوى الاستقبال يمثل المقياس الحقيقي لدرجة النضج الاجتماعي، خصوصا وان العديد من المجتمعات تعاملت بعبثية غير مفهومة، مع متطلبات معالجة ازمة كورونا، الامر الذي انعكس على مستوى الإصابة وحجم المشكلة، مما افقد المجتمع القدرة على السيطرة على الأمور، واستفحال المشكلة في مختلف مفاصل البيئة الاجتماعية.

النظرة البسيطة لمعالجة ازمة كورونا، تمثل قصورا كبيرا في المنظومة الثقافية، ونقصا واضحا في النضج الفكري الاجتماعي، فالمجتمع الناضج يتلقف الازمات بطريقة مسؤولة واحترافية، مما يدفعه للمشاركة الفاعلة في الجهود الجماعية، فيما القصور في النضج يتمثل في العمل على تخريب الجهود، ومحاولة وضع العصا في العجلة، نظرا لوجود اختلالات كبرى في طريقة التفكير، تجاه التعامل مع الازمات الاجتماعية.

النضج الاجتماعي يتجسد عبر التداعي الجماعي، للاستجابة مع متطلبات معالجة الازمة، فيما الاختلال الفكري يترجم عبر الرفض الكامل مع الجهود الجماعية، الامر الذي يفسر الاختلاف الكبير في عملية السيطرة على الأمور، فالمشاغبة لا تمثل شجاعة بقدر تمثل حالة من الممارسات الشيطانية، وغير العقلانية، خصوصا وان تلك الممارسات تمس البيئة الاجتماعية بالضرر، وانتشار بعض الامراض الخطيرة، مما يستدعي اتخاذ الخطوات المتوازنة، بعيدا عن المواقف الارتجالية ذات الاثار السلبية، على مختلف الشرائح الاجتماعية.

التحرك الناضج يخلق انسجاما واضحا في التفكير الجمعي، فيما العمل الفوضوي يعرقل عملية التكامل العقلي، في الوسط الاجتماعي، فالنضج لا يعني الانقياد الكامل بدون وعي، وانما يمثل انعكاسا حقيقيا لمستوى الوعي الاجتماعي، لاسيما فيما يتعلق بالقضايا الكبرى ذات الأثر الكبير على المسيرة الجمعية، وبالتالي فان ازمة كورونا بإمكانها تحريك العقل الجمعي، باتجاه وضع الممارسات الناضجة، بعيدا عن التحركات الفوضوية او غير المتزنة، التي يحاول البعض إخراجها بشكل ”استفزازي“، مما يعود على البيئة الاجتماعية بالاثار السلبية، على المدى القصير والبعيد.

عملية النضج الاجتماعي، لا تنفصل على الممارسات اليومية للأشخاص، فالمرء يمثل مرآة حقيقة لمستوى النضج الكلي، وبالتالي فان المجتمعات الناضجة قادرة على احتواء الازمات، عبر إيجاد المعالجات المناسبة، والعمل على تحمل تبعات الإجراءات القاسية، فيما البيئات غير الناضجة تتمرد على الوضع الصعب، مما يحرف الأمور عن المسار المرسوم، بحيث تولد أزمات جديدة يصعب احتوائها، او السيطرة عليها.

يبقى النضج عنصر حيوي، في خلق الانسجام الاجتماعي، وتعزيز التكافل بين الشرائح الاجتماعية، لاسيما وان نزعة التمرد تكون وبالا على الجميع، في حال استخدمت بالطريقة الخاطئة، نتيجة القصور الكبير في تقدير الموقف الصعب، والظرف الاستثنائي.

كاتب صحفي