آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

عطايا زمن الانتظار

كم من المواهب في العالم سوف تخرج من دوامة هذه الأزمة؟ كل الناس تقريباً ابتعدوا عن بعضهم قدر ما استطاعوا، لا التزام اجتماعي ولا رفاهية خارج الدار، والبعض لا عمل. من غير المستغرب أن تظهر هذه الفترة للعلنِ الكثير من مكنوناتِ العالم الحبيس ومواهبه في الفنونِ والموسيقى والكتابة والتعلم والفكاهة والركاكة. فهل يبقى افضل المكنون والمَخبوء ما لم يخرج بعد؟

أبانت هذه الفترة عن بعضِ المواهب السخيفة في تصويرِ الذات في مشاهد هزلية تنقص من قيمةِ الإنسان عموماً، ولا تليق أن تخرج للعلن. لا غضاضةَ أن يشاركَ المرء النكتةَ والطرفة مع من يحب، لكن مشاركة العالم كافة هزالة الشخصية وحركاتها الصبيانية يفقد المرءَ ثقله ووزنه الذي يستحقه. يجب أن يكون الإنسان كافة عزيزا مكرما، فكيف إذن بالمسلم المؤمن الراشد؟

هي فرصة مع ما فيها من متاعب نفسية، لن تتكرر، فيها أيام وليالي وأسابيع من الفراغ الذي يستطيع الاستفادة منه من أراد. فرصة جاءت في وقت العلم بين أيدينا دون ثمن سوى الوقت، دروس ومعارف تكلف المال الكثير توفرت الآن دون كلفة لمن رغب. يقول أبو العتاهية:

إنّ الشبابَ والفراغَ والجِدَة

مَفْسَدَةٌ للمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَة

من الأجدى أن نسأل أنفسنا السؤال التالي: ماذا نفعل ونحن في انتظار شيء ليس في أيدينا الكثير من السيطرة على مقاديره؟ يمكننا الوقوع في الهوس والعادات السيئة، كما يمكننا التعرف على قدراتنا وتحسينها، فهنالك الطلاب الذين ينتظرون العودة للمدارس والجامعات، وهناك الموظفون في مختلف الأقسام يمكنهم الاستفادة من الوقت والرجوع للعمل والدراسة بفكر وعلمٍ مختلف.

وقد يبدو مكرورا المناداة بالقراءة، لكنها فعلا عادة المبتكرين والأذكياء والأغنياء والمتدينين، وكل أصناف المبدعين. كيف لا تكون وهي أول فعل طالبَ اللهُ عباده أن يفعلوه ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ! ومن لا يستطيع القراءة اليوم يستطيع سماعَ الكتب التي تتنوع محتوياتها مجانا.

إذن، هي أزمة قبل أن تنقضي إما أن تظهر فينا الهوس والمواهبَ السخيفة والانكشاف الرَّدِيء أو تظهر فينا احترام الذات وتطويرها والمحافظة على اتزان الشخصة. الأمر في الحالات كلها عائدٌ لنا وليس علينا إلا تخيل كيف نرغب أن نكون عندما تنقضي هذه الفترة!

سوف نكتشف أن هناك من بيننا من في الأزمة قرأ عشرات الكتب وأنجز كثيراً من الفروض وحصل على بعض الشهادات، وتعلم العديدَ من المهارات، في وقت قضاه الآخرون في فرقعة الأصابع وعد الموتى والمصابين وترقب المجهول!

مستشار أعلى هندسة بترول