آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

كورونا.. المبادرات

محمد أحمد التاروتي *

قديما قالوا ”الحاجة ام الاختراع“، فالكثير من المبادرات تخمضت من رحم الازمات، خصوصا وان المرء يتحرك في جميع الاتجاهات للتغلب على الازمات، مما يدفعه لانتهاج اليات غير تقليدية للتعامل مع الواقع الجديد، وبالتالي فان محاولة الخروج بحلول جديدة من خارج الصندوق، تستدعي البحث في الزوايا الضيقة بطريقة احترافية، لاسيما وان الاستسلام للواقع البائس يترك تداعيات كبيرة، سواء في المرحلة الحالية او الفترة القادمة.

يتحرك البعض سريعا لاقتناص الفرص المناسبة، من خلال الاستفادة من الازمة، بما يعود على البيئة الاجتماعية بالفائدة، فالموقف المتفرج ليس مطلوبا في المرحلة الحساسة، نظرا للاثار السلبية الناجمة عن اتخاذ هذا الموقف غير المبادر، وبالتالي فان عملية تحويل الازمة الى مشروع اجتماعي، يساعد في الانتقال من الحالة التشاؤمية الى المنطقة الإيجابية، لاسيما وان الازمات تحمل جانبي احدهما إيجابي والاخر سلبي، فالفارق يكمن في سيطرة الجانب السلبي على الوجه الإيجابي في الازمات، مما يستدعي تعظيم الجانب الإيجابي في سبيل الخروج بمشروع قادر على النهوض، والاستمرارية في السنوات القادمة، خصوصا وان العديد من المشاريع القائمة حاليا انطلقت في ظروف صعبة للغاية، مما ساهم في سرعة الالتفاف حولها واحتضانها بشكل واسع، نتيجة وجود عناصر مستعدة لتخصيص أوقات كبيرة، في سبيل تكريس ثقافة المبادرة في البيئة الاجتماعية.

اختلاف التفكير الثقافي، وتنوع الأغراض الاجتماعية وتوزع الدوافع الاقتصادية، عناصر أساسية وراء البحث عن مبادرات، قادرة على الاستفادة من الازمة، بحيث تعود على الفرد بالفائدة الكبيرة، وأحيانا تكون الفائدة شاملة للبيئة الاجتماعية، خصوصا وان بعض المبادرات ذات اثر اجتماعي، وليست مقتصرة على اطار ضيق، مما يجعلها اكثر انتشارا والتوسع في الاتجاهات العمودية والافقية، لاسيما وان المبادرات الخلاقة لا تجد معارضة على الاطلاق، نظرا لوجود قاعدة اجتماعية حاضنة، مما يقود الى تعميم الفائدة خلال فترة قصيرة.

كورونا بما يحمله من مآسي، واضرار كبيرة، نظرا لقدرته على التسبب في اسقاط الكثير من الضحايا، يفتح نافذة امل لدى بعض الفئات الاجتماعية، حيث تسهم الازمة ساهمت في ابراز الجانب الإيجابي من الازمة الكبيرة، فالواقع المعاش يتحدث عن اطلاق العديد من المبادرات ذات الأثر الاجتماعي، حيث تداعت الكثير من الفئات الاجتماعية لتقديم المساعدة للفئات المتضررة، جراء توقف النشاط الاقتصادي، بالإضافة للمساهمة الفاعلة في تقديم المساعدة للمرضى، اذ برز التكافل الاجتماعي بمختلف الاشكال، تبعا للمستوى المالي، والاستعداد على المشاركة في تخفيف الأعباء المالية، على الشرائح ذات الدخل المحدود.

استمرار المبادرات المرتبطة، بامتصاص الاثار السلبية على ازمة كورونا، يعكس وجود اطراف تعمل على تطويع الازمات الكبرى، بما يحقق الفائدة على المستوى الاجتماعي، خصوصا وان القدرة على تحمل تبعات التداعيات الكثيرة، تختلف باختلاف المستوى الثقافي والمادي، الامر الذي تمثل في بروز المبادرات الاجتماعية الداعية للانفاق، وتقديم يد العون للفئات المتضررة، سواء نتيجة إصابة رب الاسرة بمرض كورونا، او بسبب فقدان مصدر الرزق، جراء الإجراءات الاحترازية المتخذة لمنع انتقال العدوى، مما ساهم في توقف الكثير من الأنشطة الاقتصادية، وبالتالي عدم القدرة على تحمل الأعباء المالية، والحصول على الموارد اللازمة، للانفاق على الاسرة.

يلعب المجتمع دورا أساسيا، في حياة المبادرات او سرعة موتها، فالثقافة الاجتماعية الإيجابية تمثل التربة الخصبة، لنمو هذه البذور في الوسط الاجتماعي، وبالتالي فان صمود المبادرات في وجه تيارات الاحباطات، مرتبط بوجود بيئة اجتماعية إيجابية، خصوصا وان عملية التبني عنصر أساسي في بقاء المبادرات بالدرجة الأولى، فهناك العديد من المبادرات الاجتماعية وجدت طريقها للتوسع خلال سنوات قليلة، بحيث أضحت علامة بارزة في سماء بعض المجتمعات البشرية، فيما تلاشت العديد من المبادرات الاجتماعية، نتيجة افتقارها للتربة الخصبة في الثقافة الاجتماعية السائدة.

تبقى المبادرات خطوة أساسية للتعامل المثالي مع الازمات الكبرى، خصوصا وان الازمات تخلق واقعا اجتماعيا صعبا، مما يستدعي التحرك لاحتواء تلك التداعيات بطريقة مناسبة، من خلال وضع الاليات المناسبة لامتصاص الاثار السلبية، الامر الذي تمثل في اطلاق العديد من المبادرات الخلاقة، خلال ازمة كورونا، التي تعصف بالعالم في المرحلة الحالية.

كاتب صحفي