آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

حنينُ الطينِ للطين

يحتار هذا المخلوق من طين كيف الطريق الى السعادة، في المالِ أم في الشهوة والشهرة؟ ثم يجدها في أبسط الأشياء! يجدها في أن يشارك غيره إنسانيته حين تستدعيه الحاجة. 

أضاءت هذه الأزمة الجائحة على الإنسانِ البسيط فأظهرت ما فيه من تكاتف ومحبة لمن طحنته الأيام مثله. أنَّى نقلت ناظريك فسوف تجد الضعيف هو المطبب والمعين والساهر والمتألم لمن يشبهه في الضعف. إذن، هي الطيورُ على اشكالها تقع، فلا بأسَ أن يتكئ الضعفاءُ على أشباههم، يطعمونهم ويَسقونهم ويصلون لهم من أجل الشفاء.

لم يعد الكثير من الناس يسأل عن الدينٍ واللون فإذا ما أُغلقت الاماكن فتح إنسانُ الطين العادي قلبه فاتسع لما ضاق عنه المكان. يدرك المتجردُ من أنانيته أن المقاديرَ التي أوقعت بعضَ الانسان في هذه الأزمة، ليس غريبا أن توقع بعضه الآخر فلا يعينه على الخروج منها سوى التعاون.

ما نحيا به كلنا هو عنصرُ الانسانية التي يُقيض فيها الله ويقدر ويهيأ بها بعضَ الناس لبعضهم فلولا ذلك الَتقييض والتسخير ما استقامت الحياة. الرحمةُ والعواطف هي من فيوضات الله، يُفيضها على من يحب، فهل من يعين ويعتني ويعطي هو من يقبل أكثرَ الفيض؟ طوبى لمن أعطى، وأعان ولم يسأل! أما ما تمايز من الطين فلا عزاءَ له. فالتاريخ يحكي أنه لن يتمايزَ في الأزماتِ الكبرى طينٌ عن طين ولا ينجو أحدٌ دون سواه.

لابد أن تستحيلَ الصفاتُ الكامنة في البشرِ أعمالاً يستحقونَ بها الثوابَ والعقاب، وهذه الفترة من أشمل الفترات التي فيها امتحانٌ عام للإنسان ليخرج قابليةَ الخير والشر من الفعلِ إلى القوة، ثم يستحق ما يستحق. هي نكبةٌ عابرة ومؤقّتة، لكنها شديدة وقاسية، أفضل وصفةٍ للخروج منها أن يتسابقَ الإنسانُ القوي ليأخذَ بيد أخيه الإنسان الضعيف ويعينه على الخروج أيضا:

الناسُ بالناس مادام الحياءُ بهم

والسعد لاشك تاراتٌ.. وهباتُ

وأفضل الناس ما بين الورى رجلٌ

تقضى على يده.. للناسِ حاجاتُ

لا تمنعن يدَ المعروفِ عن أحدٍ

ما دمت مقتدراً.. والعيش جناتُ

قد مات قومٌ وما ماتت مكارمهم

وعاش قوم.. وهم في الناسِ أمواتُ

مستشار أعلى هندسة بترول