آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

29 ناقصا 1 يساوي صفر

يأتي شهرُ شعبان في هذه السنة، 1441 هجرية، في فصل الربيع حيث تعتدل درجات الحرارة، لكن شهر شعبان هذا مختلف جدا! نعيش أفراحه وأحزانه ومناسباته الاجتماعية والشخصية في عالمٍ افتراضي مجازي، وأنا الذي لم يدر بخلدي يوماً أن تبتعد أجمل مناسبات الحياة عن الواقع.

فمثلاً، ليلة النصف من شهر شعبان تعني للستيني ستينَ ليلة من الفرح وستينَ سنة من الانتظار، منذ أن كنا صغارا نطوف دور الحي نغني ونُفرح صاحبَ الدار: ”اعطونا الله يعطيكم... بيت مكة يوديكم“. يعطينا أكثر ويَمتلئ الكيس بحبات من الفولِ السوداني أقل من عدد الأصابع نجمعها داراً بعد دار. في الليلة التي تسبقها ينام كيس القماش المصنوع من الملابس القديمة فارغاً تحت رؤوسنا وما أن يطلع الفجر إلا وملأته رؤوسنا بأحلامِ البراءة والطفولة.

لأول مرة سوف تعبر ليلة النصف من شهر شعبان التاريخ في صمتٍ واحتفال افتراضي، لا طفل ولا رجل أو امرأة يجوب الشارع في جو ربيعي لو لم تكن هذه الأزمة التي عطلت عادةً كانت ضاربة جذور التاريخ موجودة لكانت السنة أكبر حضورا وبهجة. أول سنة لن نلتق فيها ولن نجتمع، الأهل والأصدقاء والجيران، ولن تصدحَ الاصواتُ بأهازيجِ الفرح والمدح، بل سيكون كل ذلك في الفضاء الافتراضي.

أول سنة يعبر بعض من نعرفهم في شهر شعبان قنطرةَ الحياة الاخيرة ولا نستطيع أن نرى حزنهم ودمعتهم، ونشد جراحهم بل كان علينا الدخول في الفضاء الافتراضي وتسجيل اسمائنا وكتابة جملة من كلمتين ثم ننسحب. هل لي ان أقول: تبا لك من عالم افتراضي! أصبح التنزه والتبضع والصداقات، والتعليم وليالي الأفراح وغيرها من مكونات الحياة مختزلاً فيه!

هل يكون من نتاج هذه الجائحة أننا في المستقبل لن نحتاج إلى الانتقال ماديا لنقوم بكثيرٍ من الوظائف الاجتماعية والدينية بل نؤديها في الواقع الافتراضي؟ أم رويداً رويداً نعود بشراً وننسى الذكريات البئيسة ويعود الصغار يحلمون ثم يطوفون الشوارع ويطرقون الأبواب في الواقع؟

مستشار أعلى هندسة بترول