آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

التدريب التقني والمهني وأزمة كورونا

يمثّل التدريب التقني والمهني مسارٌ أساسي من المسارات المتاحة أمام الطلاب بعد تخرجهم من الثانوية، إلا أنه لم يأخذ موقعيته في المجتمع والوطن التي يستحقّها، ولعلّ ذلك نتيجة وجود بعض الأفكار المعيقة تجاه هذا المجال؛ والتي ينبغي العمل على تغييرها بما يحققه التدريب التقني والمهني من إنجازات على مستوى الوطن.

إن طموح أي طالب بعد المرحلة الثانوية هو أن يلتحق بجهة تضمن له مستقبله بعد التخرج، لا أن يبقى عاطلاً عن العمل. والتدريب التقني والمهني يحقق ذلك في أرقى مستوياته، بل يمكنني الجزم بأن كلَّ متدرب لديه الجدية والاهتمام فإن مستقبله بعد التخرج مضمون بإذن الله تعالى. ذلك لأن مهمة التدريب التقني والمهني لا تقتصر على تخريج موظفين فقط، بل إن دورها الأساس يكمن في تخريج كفاءات وطنية يمكنها أن تؤسس لذاتها مشاريع استثمارية تحقق من خلال استقلالاً مالياً بل وتدعم المجتمع بفتح فرص وظيفية متنوعة. وليس هذا فحسب بل إن كثيراً من المتدربين بذلوا قصارى جهدهم فأنهوا الدبلوم الأساسي للتدريب وواصلوا لنيل درجة البكالوريوس، ثم أصبحوا جزءً من العملية التدريبية، فبعد أن كانوا متدربين تجدهم اليوم مدرّبين.

ولذا ينبغي للمجتمع أن يُصحّح نظرته القاصرة عن التدريب التقني والمنهي ليأخذ مداه على مستوى المجتمع والوطن.

واليوم إذ يشهد العالم انتشار جائحة كورونا التي لم تسلم منها بلادنا رعاها الله، فتوقفت عجلة التدريب المباشر؛ نجد أن التدريب التقني والمهني في المقدمة حيث لم يتوقف يوماً واحداً منذ أن تم تعليق الحضور الفعلي للبيئة التدريبية.

وهنا يبرز أمامنا الكثير من المدربين الذين استثمروا هذه المرحلة في بدء تطبيق أسلوبٍ جديدٍ للتدريب عن بعد، واستخدام مختلف الوسائل والطرق لإيصال المادة التدريبية للمتدرب وهو في منزله، وأكثر من ذلك تجدهم يبذلون جهدهم لتشجيع المتدربين على الاهتمام ومتابعة التدريب من المنزل وتقديم محفّزات من خلال إبداء المرونة معهم، ونقل المادة التدريبية بصورة مبسّطة، ومنحهم درجاتٍ نظير جدّهم واهتمامهم. وبذلك تجد أن نسبة كبيرة من المتدربين تفاعلوا وتجاوبوا مع المدربين.

وفي إحصاية رسمية نشرتها المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني عبر حسابها الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» للفترة 29 مارس - 2 أبريل 2020م في التقرير الأسبوعي عن سير عملية التدريب عن بعد فقد بلغ عدد المستخدمين 193,316 توزعت على 52,748 شعبة، وبلغت عدد ساعات البث المباشر 130,790؛ وهذا يكشف حجم الإنجاز الذي يُحققه التدريب التقني والمهني في ظل هذا الظرف الاستثنائي وهو إنجاز يستحق التقدير والثناء.

ما أود أن أستخلصه من هذا الحديث عدة أمور:

أولاً - يمثل التدريب التقني والمهني من خلال كوكبة المدربين الجادين فيه خط دفاع أساسي في مواجهة جائحة كورونا، يضاف للجهات الأخرى في بلادنا، فهو لا يقل أهمّية عن أي جهةٍ أخرى، حتى وإن لم تسلّط الاضواء الإعلامية عليه، إلا أن سواعد المدربين المهتمين تقف يداً بيد لحماية وطننا الغالي، وللارتقاء به وبأبنائه لأعلى مستويات التقدم والازدهار.

ثانياً - آن الأوان أن يأخذ التدريب التقني والمهني موقعيته الريادية في المجتمع والوطن، وهنا يأتي دور الخطباء والمفكرين والعوائل لبث فكرٍ جديدٍ في هذا الجيل بأن التدريب التقني والمهني مسارٌ لا يقل أهمّية عن باقي المسارات التعليمية التي تزخر بها بلادنا، بل قد يكون هو الأفضل لمن يتطلع لاكتساب مهارة مهنية تؤهله للاستقلال المالي والمهني.

ثالثاً - أشدّ على أيدي زملائي من المدربين الذين يبذلون قُصارى جهدهم في هذه المرحلة الاستثنائية، وأدعوا الذين لم يتفاعلوا بعد - وهم قلّة - إلى أخذ موقعيتهم في هذه المرحلة لأنها كشفت وستكشف أكثر عن أؤلائك المدربين الذين يحملون رسالة التدريب، ويهمهم أن يقدّموا كلّ جهدهم في سبيل بناء هذا الوطن الغالي من خلال رفده بالكفاءات الوطنية. وحين تكون ضعف في الإمكانات وليست بالمستوى المطلوب، فإن التفاعل في هذه المرحلة من شأنه أن يدفع باتجاه دعمٍ أكبر لتحقيق إنجازٍ أعظم ومخرجات أرقى.

ونسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا فتنجلي هذه الجائحة لنعود من جديد نكمل المسيرة التدريبية بروح جديدة ليكون التدريب بعد كورونا متألقاً أكثر مما كان قبلها، والحمد لله رب العالمين.