آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

سلعة لن تجدها في الأسواق!

يوم كنا صغارا كان والدنا يخبرنا بأكبر المحن التي رآها في فترةِ الحربِ العالمية الثانية بين الأعوام 1939م - 1945م وما بعدها من سنين، ما يكبر عن الوصف والشرح. انتهت الحرب وعاد للحياةِ نبضها رويدا رويدا قبل سنة 1950م، وكان يقص علينا محن غرق مراكب الغوص التي شهدتها شطآنُ الخليج سنة 1932م. استمتعنا بروايةِ الأحداث المشوقة التي لم نقاسيها، وكانت درساً عمليا لنا في مناعة الإنسان وأن العالم لم يمت بعد هذه المآسي الكبار، المحلية والعالمية، بل قام وتطور ونهض. كانت أيضاً درساً واقعيا في كمية الصبر الذي احتاجه جيله من البشر حتى تحمل واجتاز تلك القناطر الزمنية!

لو كانت الحياة معارك لكانت هذه الجائحة الآن من كبارها، ولو كان الصبر يباع في الأسواق لكان هو أهم مؤونة نحتاجها الآن! هي بضاعة يحتاجها ويطلبها كل البشر في الأزمات. ”رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا“، أعطنا أنت يا ربّ آخرَ درجاتِ الصبر والإستقامة، وصبَّ علينا الصبرَ من أوعيته حتى يفرغ وأنزل علينا السكينة. هذه بالطبع ليست أول اختبار تنتصر فيه الحياةُ على الموتِ بالصبر لكنها أكبر امتحان يراه جيلنا الحاضر. فلهذا نأمل أن يُحلينا الله وَيزيننا بنعمةِ الصبر، وأن يستعينَ العالم ببعضهِ من أجل كله.

بعدما ينتهي القلق من المرض، وما هو أخطر، سوف تطوف في قاموس لغتنا اليومية كلمات مثل: متى؟ وكيف؟ وكم؟ وكل أدوات الاسئلة عن المستقبل والتحولات في الصحة والعمل والاقتصاد. وأغلب الأجوبة عليها في عداد المجاهيل، حتى الآن، فلا يسكنها إلا الصبر والاعتماد على الإمدادات الإِلهية التي ترى المستقبل وحوادثَ الزمان. نحن وإن رأينا المأساةَ في عددِ الأرواح التي اغتالتها هذه الجائحة والأسواق التي عطلتها والأيدي العاملة التي أوقفتها عن العمل، يلزمنا أيضا أن نستقرأَ الوقائع، وكيف ستتغير الحياة ومكوناتها من حولنا. لكن قبل أن نسأل: هل سيكون ما بعدها أفضل أم لا؟ يجب علينا الصبر والخروج منها!

وثقنا بالله وارتحنا للنعم مدةً طويلة منذ آخر كارثة بشرية. فالآن انتهت حصةُ الدرس وها هو الامتحان الذي أصعب ما فيه أنه لم يكن في سجلات تقلبات الدهور وأحوال السنين عند أغلب من هو فوق الأرضِ من البشر.

يروى عن ابن عباس أنه قال: كنت عند رسول ﷺ فقال: يا غلام أو يا غليم ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ فقلت: بلى، فقال: احفظ اللهَ يحفظك، احفظ اللهَ تجده أمامك، تعرف إلى اللهِ في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل اللهَ فإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن في الصبرِ على ما نكره خيرا كثيرا، وإن النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسرِ يسرا.

مستشار أعلى هندسة بترول