آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

الإنفاق.. فعل الخير

عبد الرزاق الكوي

قال تعالى: ﴿يَسْألُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَآ أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّه بِهِ عَلِيمٌ.

اليوم في هذه الظروف العصيبة الذي تمر بها البشرية، تتجلى فيه روح التكافل الاجتماعي على النطاق العالمي، بمد يد العون من أجل المساعدة في مكافحة وباء الكورونا ومساعدة شريحة من أفراد المجتمع انقطعت بهم السبل وتعطلت أعمالهم وفقدوا مصدر رزقهم، فإذا كانت هذه الخصلة النبيلة بالتكافل والإنفاق عالميا بشكل فرديا أو جماعي، فالأحرى بالمسلمين أن يفعلوا هذا العمل النبيل أكثر وعلى نطاق أوسع والجميع يرى أن كل يوم يمر تزداد الأمور صعوبة على من فقد عمله، فالحمد لله رب العالمين في الأيام السابقة قامت الجمعيات وكم هي كافة الفاعليات الصحية والأمنية مشكورة بعمل متكامل، فدعم الجمعيات ومساندة الجهود المبذولة من الدولة اليوم أكثر أهمية وتحمل للمسؤولية.

قال تعالى: ﴿والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهروهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون.

إن تفعيل مفهوم التكافل بشكل عام والإنفاق بشكل خاص في المجتمع أمراً ضروريا لتكاثر الحالات المحتاجة مما يشكل ثقلا على كاهل الجمعيات الخيرية واللجان الأهلية، فالعطاء يبدأ بالاقربون من ذوي صلة الرحم والجيران وصولا إلى تقديم الدعم المادي للجمعيات، لمعرفتها من هم في أمس الحاجة للمساعدة.

﴿إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور.

إن الشعور بالمسؤولية الدينية والأخلاقية نحو مجتمعاتنا وأفراده يعزز المحبة والتآخي والوحدة والتماسك ليخرج الجميع من هذه الأزمة الطارئة، والدعاء من الله تعالى ان تنجلوا هذه الغمة عن هذه الامة سريعا.

فالوضع الاقتصادي كان مترديا وصعبا على الشريحة المتضررة قبل وباء الكورونا، وبعد توقف الاعمال تفاقمت الظروف على كاهلهم، فأصبحوا بحاجة ماسة، هذه العوائل العزيزة على القلوب، للمساعدة من خطر عظيم فليس اخطر من امر ان يجد رب العائلة عجزه عن تقديم ما يسد جوع طفل، مما ينعكس ذلك على المجتمع بأكمله لغضب الله سبحانه وتعالى لترك شريحة محتاجة بدون مساندة والوقوف معها مما يترتب على خلل اجتماعي، وبسبب الفقر والحاجة تبرز كثير من المشاكل التي تؤثر على سلامة المجتمع.

قال تعالى: ﴿ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوبة أصابها وابل فأتت اكلها ضعفين فأن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير.

القرآن الكريم جعل إخراج الصدقات وإعانة الفقراء والضعفاء من خصال المؤمنين المتقين، يغفر للعبد جزاء عمل الخير وينمي الرزق ويجلب التوفيق، ويعتبر شكرا للنعمة والصحة التي وهبها الله سبحانه وتعالى للعبد.

فالعطاء ومد يد العون الى فئة عزيزة على المجتمع اخوة وأقارب وأصدقاء ومن قدموا خدمات جليلة لمجتمعاتهم قبل الأزمة، ان يرد بعض الدين لهم، هذا الدين يعتبر واجب في هذا الظرف، وعمل نتقرب فيه لله سبحانه وتعالى لنحظى على رضاه وبركاته في ما نملك من مال ورزق وصحة تفضل الله سبحانه بها على عباده.

﴿من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم * يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم.

هذا هو خلق أئمة اهل البيت وما حثوا عليه اتباعهم ومحبيهم، فهم عاشوا يحملون هم مجتمعاتهم، يشاركون

في افراح وأتراح الضعفاء والفقراء واصحاب الحاجة، فيهذا خلقهم الكريم وتمسكهم الصادق بتعاليم الدين الخنيف، ان لا يكون فردا في مجتمعهم يعيش حالة من الفقر والجوع والحاجة.

فهذا إمام المتقين ويعسوب الدين الامام علي يقول:

«ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الاطعمة، ولعل بالحجاز، أو اليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطاناً، وحولي بطون غرثي وأكباد حرى».

أو كما قال :

«أأقنع من نفسي أن يقال لي: هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في خشونة العيش».

من هذه الروحية العظيمة لأمير المؤمنين وأهل البيت نأخد القدوة، والدروس البليغة فهم القران الناطق والسبيل لله سبحانه وتعالى لمن اتبع سيرتهم المباركة.

فالكل مسؤول حسب وضعه الاجتماعي وتأثيره على من حوله في ايصال وتفعيل خصلة العطاء، فالتواصل الاجتماعي خلق واقع من اجل ايصال الأفكار الى كافة المجتمع، فأصحاب القروبات لهم دور، ورجل الدين له دور، والمثقف له دور، وكل فرد يستطيع ان يقدم خدمة تصب في تفعيل دعم المحتاجين، فالقائمين على الجمعيات وفي هذا الوضع يقدمون خدمات جليلة، من اجل المحافظة على النسيج الاجتماعي من التدهور والانفلات،

فهذا شهر شعبان وهو شهر الرسول ﷺ، وله مكانة عظيمة الأجر فيه يتضاعف هذا الأجر حبا واقتداء بالمصطفى الأكرم، فالاقتصاد في هذا الشهر وتقليل الإنفاق، من أجل أن يقدم ما يستطاع تقديمه، حتى يقضي على هذا الوضع المزري أو يخفف من وطأته ويقلل من مخاطره، فليكن هذا الشهر المبارك استعدادا وتهيئة لشهر رمضان المبارك يطل علينا بخيراته وبركاته، فالجميع يسعى من اجل تلبية حاجاته ومستلزماته من الطعام والشراب، فليتذكر جوع وعطش من حوله، وأن يحمل هم من يتضرعون جوعا وعطشا وقلة حيله في جميع امورهم الحياتية.

عن رسول الله ﷺ في آخر جمعة من شعبان قال:

«وَمَنْ فَطَّرَ فِيهِ «شهر رمضان» مُؤمِنَاً صَائِمَاً كانَ لَهُ عِندَ اللهِ بِذَلِكَ عِتقُ رَقَبَةٍ وَمَغفِرَةٌ لِذُنُوبِهِ فِيمَا مَضَى. فقِيلَ يا رسُولَ اللهِ ليسَ كلنا نَقدرُ على أن نُفطّرَ صائماً؟ فقال: إِنَّ اللهَ كَرِيمٌ يُعطِي هَذَا الثَّوَابَ مَنْ لَمْ يَقدِرُ إِلَّا عَلَى مَذقَةٍ مِنْ لَبَنٍ يُفَطِّرُ بِهَا صَائِمَاً، أَو شَربَةٍ مِنْ مَاءٍ عَذِبٍ، أَو تَمَرَاتٍ لَا يَقدِرُ عَلَى أَكثَرَ مِن ذَلِكَ».

وعن الإمام الباقر قال: «أيُّما مُؤمِنٍ فَطَّرَ مُؤمِنَاً لَيلَةً مِنْ شَهرِ رَمَضانَ كَتَبَ اللهُ لَهُ بَذَلِكَ أَجرَ مَنْ أَعتَقَ نَسَمَةً، وَمَنْ فَطَّرَهُ فِي شَهرِ رَمَضانَ كُلَّهُ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِذَلِكَ أَجرَ مَنْ أَعتَقَ ثَلَاثِينَ نَسَمَةً، وَكَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِندَ اللهِ دَعوَةٌ مُستَجَابَةٌ».

فهذا العطاء من افضل الاعمال الصالحة تضاعف أجرها وثوابها بأضعاف مضاعفة وتدل على نبل الاخلاق وطيب القلب وهي كفارة للذنوب والنجاة من النار، في ظل الأزمة والواقع الاقتصادي لبعض الأسر الفقيرة والمتعففة والمحرومة والجمعيات الخيرة المشكورة على ما تقوم به من جهد فاعل خدمة لهذه الشريحة الغالية من المجتمع، أفراد مخلصين أخدوا على عاتقهم خدمة ابناء بلدهم بدون مقابل الا الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى.

فهذا شهر رمضان المبارك على الأبواب والأزمة لا زالت مستمرة وتوجد عادات إقامة الافطار الجماعي لكثير من الأسر الكريمة، يدعى لها الكثير من كافة شرائح المجتمع، وعي من العادات الجليلة ومشكورين من يقومون بها، وكم نتمنى وندعو ان ينجلي هذا الوباء ليعود كل شيء كما كان وأفضل، فهذه الموائد تقام تبركا وقربه، وان تقديم تكلفة الولائم دعما للجمعيات سوف يكون الأجر اعم وأكبر فائدة وفي مكانه المناسب كذلك.

وكذلك تقام مجالس القران والمجالس القرائية في أماكن العبادة والمنازل، فالخير المضاعف هو ان يصل قيمة وتكلفة هذه المجالس للمشاريع الجمعيات الخيرية العائدة على احبائنا واخواننا وعوائلنا.

اما في المجال الفردي والأسري، وهم ينعمون بالخير والموائد عامرة بما لذ وطاب من المأكولات والحلويات وصنوف المقليات والمعجنات بعضه يفيض عن الحاجة او يرمى في مكبات النفايات ونحن محاسبون على هذه النعمة، لنتذكر من حولنا ونخاف من ان تزول هذه النعم.

فالاعتدال والبعد عن الاسراف والمحافظة على النعمة من أهداف شهر رمضان المبارك، بترويض النفس وتحمل المسؤولية وان يشعر الجميع من مشقة الصيام ان من حولهم لا يجدون لقمة تسد جوعهم، وشراب يطفي لهب عطشهم، وهم يرون من حولهم يسرفون في أكلهم وشربهم ما يفوق حاجتهم.

فمثلا قيمة تكلفة الموائد العامة التي تقام والمجالس الذكر والقراءة، والدعوات الخاصة والتجمعات العائلية، لو جمعت ووزعت على الفقراء والمحتاجين وبمساعدت اهل الخير لما بقى محتاج في هذا الشهر المبارك وغيره من الشهور.

أين اصحاب الملاييين ورجال الاعمال والمحترفين الرياضيين وداعميهم، والفنانين واصحاب المداخيل العالية، اليوم البلد وابناء الشعب في امس الحاجة، فاليوم ينقطع التواصل والمناسبات والاحتفالات والعزائم وغيرها من المصروفات، فليكن عمل الخير اجرا وثواب وحبا لهذا البلد واهله، ان ترك فئة الى هذا المصير ينعكس على استقرار وبقاء المجتمع والبلد سليم.

فأصحاب التخصصات الاجتماعية واصحاب الفكر ورجال الدين وغيرهم عليهم ان يدلوا بدلوهم في هذه الأوقات بتفعيل مبادرات وتشكيل لجان خيرية مرتبطة بالجمعيات للتخفيف عن كاهل الجمعيات ومساعدتها لحفظ ماء وجه المحتاجين والمتعففين والستر على العوائل الذي تتهدد حياتهم.

فهذا هو المنشود من كل فرد بتقديم القليل وهو كثير عند الله سبحانه وتعالى، ودعوة من محتاج تصل الى عنان السماء لمن تكفل بفك حاجته الماسة والضرورية، فلنرتقي اكثر ونتقدم خطوات بإظهار الروح الإنسانية.

في حديث قدسي: «إن الله - عز وجل - يقول يوم القيامة: يا ابن آدم!.. مرضت فلم تعدني، قال: يا رب، وكيف أعودك وأنت رب العالمين؟.. قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟.. أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده»؟!..

الانفاق في طاعة الله تعالى والجهات الواجبة أعظم نعمة على الإنسان وبه ورد الأمر في القرآن ويوصل إلى رضوان الله وجنانه، فهو بحد ذاته من القربات الإلهية.