آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 2:09 م

كورونيات تاروتية: «10» ماذا أقول لمن جاء يقتلني؟

الدكتور أحمد فتح الله *

هذه خاطرة كتبتها قبل ثلاثة أسابيع تعبيرًا عن انطباعية ”بمعنى حالة ذهنية ونفسية للإنسان“ حول مقالات ”شكر“ لكورونا، تاهت عني بسبب انشغالاتي، لكن ذكَّرني بها مقال للكاتبة والأديبة المبدعة رجاء البوعلي ”شكرًا كورونا... سقطة لغوية“، في أراء سعودية، الخميس 2 أبريل ”2020م“. فأحببت نشر هذا البوح في سلسلة ”كورونيات تاروتية“.

أنا لا أكرهك يا كورونا ولا أحبك...

فقط رجوتك ولا زلت أرجوك ألا تؤذي أحدًا ولا ترافق سالبَ الحياة، مَلَاكًا كَانْ أو مَلَكًا، كي لا يموت أحد. فموتُ إنسانٍ خسارةٌ لا تعوض، وفقدٌ لا يرجع، وله تبعات كثيرة، زادت هذه الأيام بسببك.

**** ****

وأنا، بطبعي لا أكره أحدًا، ولا أكره مجهولاً. نعم، أنا لا أحبُ مُرْعِبًا، و”أشياءَ“ كثيرة. يقول علماء الأحياء، والمتخصصون منهم في دراسة الفيروسات، أنك ”لست كائنًا حيّ“، وربما نظر إليك البعض على أنَّك ”كائنٌ حيًّ“، بتفصيل لا يهمني. حيًّا كنت أو لا، لا يعنيني، شعوري نحوك غريب، لا أعلم كنهه، ربما لأنك كنت خير كاشف، كريح عاتية، أطَرْتَ أقنعةً لنا تخفي خبثنا،

وبان في كل شيءٍ زيفنا.

حقّا أخفتنا فبان ضعفنا.

قمت بعزلنا فاختفى كثيرٌ من عاداتنا، وكثير منها بدعٌ ما كانت عندنا فخفَّت أحمالنا، لكن السؤال هل ستطهر أنفسنا؟ لا أدري، أستطيع التمني والدعاء فقط.

**** ****

طننتك رسول إله أو سفيرًا من عالم الغيب جئت لتنقذنا، إذ، آهٍ من ”إذ“ هنا، علة أو معلول، لكن الذي أفهمه أن ما بعدها هو سبب لما قبلها:

زال الهناء من طعامنا

زالت البركة من مالنا

لا يستجاب لنا دعاء

بعد ما أفسدنا الماء

أفسدنا الهواء

قطعنا الأشجار

أحرقنا النخلة

والنخلة هي أم الخير

أفسدنا كل الأشياء

وبيوتنا صارت كِتَلُ اسمنتْ ورخامْ

وعماراتنا هياكلٌ من حديدٍ وزجاجْ

ونمشي على قِطْرَانٍ «سموه ”اسفلت“» في اطارٍ من أحجارْ

أشكالًا وألوان...

فما عدنا نصلح في الأرض خلفاءْ...

هل جئت لتنقذَ الأرضَ مِنَّا؟

أم لتنقذَ مِنَّا نحنُ البشرْ

باقي الكواكب في السماءْ؟!

**** ****

أتيت لنا من الصين فَجْأَةً، كنا نحسبها أبعدُ ”جزيرة“، وهي الآن جارتنا،

بعد ما صار أهلُ الأرضِ ”سُكَانَ قَرْيَّة“.

لم نطلب العلم ولو في الصين، فأتيتَ إلينا كي تعلمنا،

لكن بشدة، فأخفتنا

كمعلمٍ مستاءٍ من تلاميذه.

نعم أخفتنا، بل أرعبتنا كُلَّنَا، صغارًا وكبار،

كلَّ من تعلم هنا أو في أماكن أخرى، حتى عندك، في الصين.

**** ****

كَدِيْكِ فَجْرٍ جئت لتوقظنا من غفلتنا

كي ”نصلي“... وما أحلى صلاةَ الفجرْ

رُغْمَ تَدَمُّرِنَا...

وكي نبدأ يومًا جديدْ.

عيبنا نحن البشر ننسى بسرعة.

البعض أدمن السكرة،

والبعض اعتاد الغفلة.

الكبار وحوش، همهم المال والسلطة

والصغار مساكين،

همهم السلامة والبطنة.

ومن هم بين الفئتين تائهون بين الإثنتين....

تحتقرهم الأولى ولا تثق فيهم الثانية.

**** ****

فأرحل كورونا غير مشكور، فالجوائح مثلك لا تشكر

وإن زعلت مِنِّي ولم ترضَ عنِّي،

لَ اااا تُ.. شْ.. كَ.... رْ!!!

بل نأخذ منها الدروس والعِبَرْ.

فأرحل كورونا،

فقد بلَّغت الرسالة، وأكملت المهمة وأقمت علينا الحجة،

وعلى كل البشر.

رغم أنك لا تُرى، ولا تُسمع، ولا تُشم...

مراوغٌ بخبث... وبلا ضجيج

سكت سطح الأرض... لكن صمتك مُدَوِّي

هدأ باطن الأرض... لكن زلزالك أنشط

ودمارك أكثر وأقسى.

*************

أرحل كورونا سريعًا، إذ ثار عقل البشر.

ما أجمل ”إذ“ هنا، فانتبه واسمع، سينتج مصلًا ودواء، وسيهزمك قريبا.

عقل البشر اللذين يعبدون ”الله“ من خلال العلم

والطرق إلى الله كثيرة، من أفضلها علم في صالح عباد الله وخيرهم،

والإنسان أكرمهم عند الله.

**** ****

فأرحل الآن ولا تعد

ولا تظن يحبك أحد

وإن وُجِدَ مُغَرَّرٌ بِكْ،

كم حبيبٌ نسى حبيبه؟

والحبيب قد يفارق حبيبه!

**** ****

فأرحل الآن ولا تعد...

وحين ترحل...

ستنظر الناس في حياتها الجديدة...

لعلها تحفظ ما بقى من الطبيعة.

وربما تختار يومًا طفلةً لهم رئيسة

أو تجعلَهَا للمناخِ وزيرةْ...

فقد أثبتت في دافوس وأترابها معها

أنها كانت ”انسانة“ رشيدة،

غار منها ”تَاجِرٌ“ يقود دولة كانت ”عظيمة“،

فَقْدْ فضحتَهُ أنتَ وكشفت مخازي العظمة،

فَقَّاعةٌ كفقَّاعاتِ الصابون حين يتسلى بها الأطفال.

نعم، هكذا كان حال سكان الأرض مع الدولة الكبرى،

لكن بلا تسليةٍ أو عَفَوِيَّة.

**** ****

يا فيروس،

ما عدتُ أحب ذكر اسمك، يكفينا دمار.

كفى.

فقد عرفت الناس الحقيقة مِنْ توغلِ المال والسياسة،

والعلم صار صناعة،

والمنطق غباء، والفلسفة كلام فاضٍ

والدين كثرت فيه بدعٌ وخرافةْ،

وهو منها بَرَاء، كذئب يوسف بن يعقوب «عليهما السلام».

**** ****

فقط ارحل فلن تعود، لأن كلَّ ما ذكرته، وغيره كثير،

سيأتيه دم جديد، وسيأتيها.

وحياتنا بعدك، لن تكون كما كانت قبلك.

ارحل... فقط ارحل،

وإن طلبت لترحل فداءًا

كي يحيا الناس،

هَأنَذَا....

أو خذني معك.

وَأَعْلَمْ: "لَا شُكْر لِقَاتِلْ.

تاروت - القطيف