آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

محامل الخير

ورد عن أمير المؤمنين ﴿لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً، وأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلًا «الكافي ج 2 ص 362».

تتعرض العلاقات الاجتماعية لهزات خطيرة قد تعرضها إلى القطيعة والخصام، وقد تنشأ العداوات بسبب كلمة نقلها من لا يتحمل مسئولية الكلمة أو نمام فتان أراد الوقيعة بين صديقين، فكانت ردة الفعل المستعجلة دون تبين أو تريث هو اتخاذ قرار متهور بقطع العلاقة الأخوية التي قد تكون ممتدة لسنين!

النوايا الحسنة لا تعني دس الرأس في الرمال كالنعام فيأتيه الخطر والضرر من كل مكان وهو في أضعف حالات الدفاع والمواجهة، فمن المؤكد وجود أجناس مختلفة من النفوس ومنهم المتلون والخداع والكذاب والعدواني، والذي يتسللون لوذا خلف قناع الطيبة والصحبة حتى إذا بلغوا مصلحتهم أظهروا وجوههم الحقيقية بلا رتوش، ولكن هذا لا يعني التعميم على جميع الناس بذلك والتعامل معهم على أساس التهمة والظنون السيئة في كل ما يصدر منهم.

كما ينبغي أخذ الحيطة والحذر والقيود الاحترازية في أي من التعاملات المالية والاجتماعية وفق الضوابط التي تحفظ لكل فرد حقوقه، فهذا يحد بشكل كبير من وقوعنا في شراك أي مراوغ يحاول أن يمارس نواياه الشريرة.

وأما المشكلة التي نواجهها اليوم هي غلبة التشكيك في نوايا الآخرين، فأشعل روح الكراهية بين الناس وأفقدهم سياج الثقة بالغير، فلا مجال عند البعض لمحمل الخير لتصرف الغير أو توجيهه نحو احتمال الخيرية، وذلك بأن يجعل مساحة من الاحتمالات الحسنة والسيئة ويغلب احتمال الحسنى فيما يقصده الآخر من كلام أو تصرف، فهذا ما يحافظ على العلاقات الاجتماعية والأسرية ويحميها من أوبئة الظنون السيئة والخلافات وانعدام الثقة والتعاون.

البعض تمكنت منه النوايا السيئة فبمجرد ظنه بكلمة أو موقف من الآخر يبدأ في بث تحليلاته المريضة عليه حتى يخرجه إلى توجيه السوء، فالأفكار السيئة عن الآخرين نار تسري في الهشيم وتحرق الأخضر واليابس وتصيب العلاقات في مقتل.

إصدار الأحكام وبناء التصورات على موقف الآخرين ينبغي أن لا تتم بتسرع وتهور، كما ينبغي تجنب سوق الاتهامات أو البحث عما وراء الكواليس لكل حدث، وكأنه يعيش عالم الجريمة والبحث عن الأدلة التي يجمعها لتقديمها للمحكمة بعد القبض على المجرم، نعم عند البعض الكل متهمون ويحملون جين الإجرام والشر ولا يمكن أن يصدر منهم الخير وما فيه مصلحته، فعليه أن يحذر دائما من الجميع ولا يصدق لهم أبدا أي كلمة؟!

لا يمكننا أن نشق عن القلوب فنطلع على حقيقة كل إنسان ومن ثم الفرز بينهم، وما علينا سوى التعامل بالنحو الظاهري مع أخذ الحذر من الوقوع في شراك أي مكر وخداع، وأما تبييت النيات السيئة لما يصدر من الغير فيكفي في رفضه أن نفوسنا تأبى أن تكون في دائرة التشكيك والاتهام، ومن باب التعامل بالمثل فلا ينبغي كذلك معاملتهم بما نكره.

في مشهدنا الاجتماعي نجد أن الموقف والكلمة تأخذ بعدا تضخيميا أو منحى بعيدا وهي لا تحتمل كل ذلك التأويل والتحليل والمناقشات المطولة، فإذا تأخر أحدهم عن مناسبة اجتماعية كعيادة مريض أو زيارة بيت أحد الجيران، تأخذ عقول وألسنة البعض من أصحاب النيات السيئة في وضع تصورات خيالية لتعليل الموقف، فهذا يطنب في الروايات الشريفة التي تحث على ذلك، وذاك يفصل ويؤصل لقواعد العلاقات الاجتماعية التي اخترقها بفلان، ويطول الأمر ليبدأ آخرون في الحديث عن خصوصيات فلان واتهامه بالتكبر.

حمل كلام وموقف الغير على محمل الخير يعني إيجاد المبرر والعذر لما تتصور صدور الخطأ منه، وإذا لم نجد من عذر لفعله فالمصارحة معه هو الطريق الصحيح، فإما أن يتبين له خطأه وإما أن يبدي الصورة الحقيقية لموقفه، فهذا يخلصنا من إضمار المشاعر السلبية ويساعدنا على توجيه جهودنا واغتنام أوقاتنا فيما منه فائدة، فالنيات السيئة لا تخلف إلا العداوات والخصومات وتعصف بسور السلم الأهلي ويعرضه إلى الانهيار.