آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

وقفة تأمل

محمد أحمد التاروتي *

فرضت جائحة كورونا على البشرية واقعا جديدا، بحيث أصبحت المراجعة الذاتية لمسيرة الحياة مسألة ملحة، نظرا لأهمية إعادة ترتيب الأوراق بشكل مغاير عن المرحلة السابقة، فالدول اخذت على عاتقها إعادة رسم الاستراتيجيات الصحية، وكذلك معالجة الثغرات في اقتصادياتها، والعمل على سد الفجوات التي ظهرت خلال الازمة، التي تعصف بكل مناحي الحياة على الصعيد الدولي، فالجائحة كشفت الكثير من حالات القصور، وكذلك اماطت اللثام عن العديد من النقص في المنظومة الصحية، وفضلا عن تعرية بنية الاقتصاد الداخلي، الامر الذي تمثل في بروز بعض الازمات، ذات العلاقة بالقدرة الاستيعابية للنظام الصحي، وكذلك المشاكل المتعلقة بمعالجة نقص بعض المؤن الأساسية.

الحديث عن مرحلة ما بعد ”كورونا“، بدأ يظهر سريعا سواء لدى دوائر صنع القرار، او الجهات الاكاديمية، خصوصا وان ازمة كورونا وضعت الجميع في مواجهة المصير المشترك، مما يستدعي التحرك الجاد للتعامل مع أزمات عالمية، بشكل مغاير تماما، لاسيما وان فيروس كورونا احدث هزة عنيفة في الضمير الإنساني، واستدعى التدخل السريع للتعاطي مع التطورات المتسارعة، نظرا لخطورة الموقف والافتقار للادوات الكفيلة، لايقاف نزيف الأرواح المتساقطة يوميا، وبالتالي فان وضع استراتيجيات تتعامل مع الأوبئة في المستقبل، يتطلب دراسة الجائحة الحالية بشكل معمق، لوضع الأصابع على مكامن الجروح، عوضا من المعالجات السطحية ذات الأثر المؤقت.

رسم سياسة قادرة على خلق المناخ الملائم لاستيعاب الأوبئة الفتاكة، يتطلب الكثير من الموارد المالية، والعديد من العقول البشرية، وكذلك توفير المراكز البحثية المتطورة، خصوصا وان المعالجات المؤقتة ليست قادرة على وضع النقاط على الحروف، وادخال الطمأنينة في النفوس لدى البشرية جمعاء، لاسيما وان الذاكرة الانسانية ما تزال مملوءة الكثير من بالوعود الكاذبة، بالقدرة على السيطرة على الوضع، حيث اثبتت الازمة فشل الكثير من الخطط المعلنة في تطويق الجائحة، ومنعها من التمدد بصورة سريعة وصاروخية، مما ساهم في الخروج الأمور عن السيطرة، واعلان بعض الدول انهيار منظومتها الصحية، في مواجهة الفيروس القاتل.

من الصعب التكهن بماهية الاستراتيجيات المستقبلية لمواجهة الأوبئة القاتلة، بيد ان الجميع يتفق على ضرورة تنسيق الجهود العالمية للعمل بشكل جماعي، باعتبارها الطريقة المناسبة لتسريع الحلول المناسبة، لاسيما وان التحركات الفردية ستبقى محدودة، وتعطي نتائجها ضمن دائرة محدودة، بخلاف العمل الجماعي الذي يسهم في معالجة جميع أوجه القصور، وبالتالي الحصول على النتائج الكبيرة في نهاية المطاف.

تبادل الاتهامات بين الدول العالمية، وتحميل المسؤولية على اطراف محددة، لا يخدم البشرية في المرحلة الراهنة، فهذه التصرفات تهدف لتصفية الحسابات السياسية، وليست قادرة على وضع الحلول الناجعة، وبالتالي فان المرحلة الحالية تستدعي تناسي الخلافات السياسية، والالتقاء عند المصلحة المشتركة، خصوصا وان فيروس كورونا يهدد الأرواح بشكل يومي، مما يتطلب إيجاد الظروف العالمية لتوحيد الجهود، واستبعاد المصالح السياسية، وتغليب الجانب الأخلاقي على المآرب الاخرى، فالهجمات الإعلامية المركزة التي تستهدف بعض البلدان، وتحميلها كامل المسؤولية في نشر الفيروس، يستهلك الكثير من الوقت، ويحرف الجهود عن المسار الصحيح.

وقفة التأمل تتطلب استعادة شريط الذكريات، بما يحقق الفائدة للبشرية جمعاء، لاسيما وان المرحلة الحساسة بحاجة لاستثمار كافة الطاقات الإنسانية، باعتباره السلاح الفعال في مواجهة الهجمة الشرسة لفيروس كورونا، فهذا العدو القاتل يضرب بقوة في كافة الاتجاهات منذ نهاية العام الماضي، حيث استطاع الوصول الى جميع نقاط العالم في غضون اشهر قليلة، وبالتالي فان الجهد المشترك يساعد في تسريع الخطى للقضاء عليه، وعدم اتاحة الفرصة امامه - الفيروس - للاستمرار في حصد الأرواح بشكل يومي.

ان البشرية باتت امام تحدي كبير، اذ لا يوجد لديها سوى خيار الانتصار في المعركة المصيرية، فالتراخي والانشغال بمعارك سياسية جانبية، يمثل فرصة ذهبية للفيروس القاتل للاستمرار في ”لعبة الموت“، التي يمارسها في كل دقيقة، وبالتالي فان المصير المشترك يفرض على الجميع تحمل المسؤولية، والتحرك بما ينسجم مع الضمير الإنساني، فالرغبة في الانتقام من الأطراف السياسية الأخرى، متروكة لما بعد الانتهاء من معركة فيروس كورونا.

كاتب صحفي