أمكم تصنع طبقا وتأكلون عشرة!
كيف تصنع أمهاتنا صنفا أو صنفين من الطعام ويكون في إفطارنا عشرة؟ هذا النوع من السحرِ المستحب والتراث العريق كلكم شاركتم فيه، صبايا وصبيان، والآن أبناؤكم تعلموه منكم، فما هي طريقة ودليل صناعة ذلك السحر المؤثر في البطون والقلوب؟
يشمخ كل قطيفي أنه تحدر من آباءٍ وأمهات ذكرياتهم وطباعهم فيها جيناتٌ توصي أن من شمَّ ”قُتار القدر“ أي دخان ورائحة الطَبيخ أو الشِواء فله نصيبٌ منه. عاداتٌ توارثها أهل القطيف بكاملها صاغراً عن كابر أن يكون للجارِ شيئ من الطعامِ المطبوخ قلَّ أو كثر، فقبل غروب شمسِ كل يوم يتهادى الصبيانُ والصبايا في مشيتهم بين الأزقة يحملونَ أطباقا من الطعامِ للجيران مما صنعته أيادي أمهاتهم وجداتهم. يطرقونَ بابَ دار الجارِ ويقولون: هذا من بيتِ فلان. يأبى الجارُ أن يعود الصغار دون أن يحملهم أكثر مما أعطوه، فيعود الصبيانُ والصبايا حاملينَ من الطعام أضعافا، وكل ذلك من كرمِ شهر رمضان المبارك.
تراثٌ يجب أن يقتنيه ويحافظ عليه أبناءُ اليوم ويفخرونَ به قولا وفعلا، مهما ابتعدوا عن دورهم، وفي أي مجتمعٍ كانوا، فالهدايا مفاتيح القلوب ”تَهَادُوا تَحَابُّوا“. في سكانِ القطيف ميراثٌ من تراثٍ يقرر أن من الخطايا أن تؤذي جاركَ بقتار القدر ورائحة الطعام ولا يكون له منه نصيب، وهم من حفظوا من وصايا الرسول الأكرم ﷺ: ”طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة“. وقرأوا أشعارَ كرماء العرب:
ما ضرّ جاري أن أُجاورَهُ
أنْ لا يكون لـِبابـِهِ سترُ
أعمى إذا ما جَارتي خَرَجـَتْ
حَتى يُواري جَارَتي الخِدْرُ
نَاري ونـَارُ الجـَّارِ واحـِدةٌ
وإليه قـَبـْلي ينزلُ القِدرُ
تروي كتبُ الحديث أنه إنما ابتلي يعقوب بيوسف لأنه ذبحَ كبشا سمينا ورجلٌ من أصحابه محتاج، لم يجد ما يفطر عليه، فأغفله، فلم يطعمه، فابتلي بيوسف قال: فكان بعد ذلك ينادي مناديه كلَّ صباح ”من لم يكن صائما فليشهد غداءَ يعقوب“ وإذا أمسى نادى ”من كان صائما فليشهد عشاءَ يعقوب“.
عندما يكون كرم الأنبياء دليلا على تاريخِ قوم فلن يختفي أو يضمر الكرم ولا التاريخ وبكل تأكيد سوف ننتظر كلنا سحرَ الأطباق وما يحمله الجيران في العامِ القادم، أليس الصبح بقريب؟