آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:12 م

اقتصاد كورونا

محمد أحمد التاروتي *

يقف الاقتصاد العالمي على رجل واحدة، منذ انتشار وباء كورونا في مختلف انحاء العالم، الفيروس القاتل لم يعد مقتصرا على الأجساد الهزيلة، وانما تغلغل في مفاصل الاقتصاد بمختلف اشكاله، بحيث اصبح الوباء شاهدا عمليا على حساسية الاقتصاد، وتأثيره السريع بمختلف الاحداث العالمية، الامر الذي تمثل في تعطل العجلة الاقتصادية، واختفاء الكثير من القطاعات التجارية من الساحة منذ عدة اشهر، مما ساهم في فقدان الكثير من العاملين للوظائف، وتعطل مصادر الرزق لالاف من البشر، على خلفية الإجراءات الاحترازية المتخذة، في مختلف الدول العالم.

الانتكاسة التاريخية للذهب الأسود خلال الأيام الماضية، شكلت صدمة كبرى لصناعة النفط، خصوصا وان التداعيات المترتبة على تدهور الأسعار، ستبقى محفورة في ذاكرة الزمن لفترة طويلة، لاسيما وان الانهيار الكبير لم يسجل على مر التاريخ، منذ بروز النفط كعنصر حيوي واستراتيجي، لتغذية الاقتصاديات العالمية، وتحريك الحركة الصناعية في الدول المتقدمة، وبالتالي فان التحديات التي تواجه الدول المنتجة للنفط، تتمثل في القدرة على امتصاص الاثار السلبية، على تراجع الإيرادات، وتقلص الطلب العالمي، نظرا لتوقف الكثير من المصانع، وتعطل حركة المطارات، ومحدودية حركة السيارات، في جميع دول العالم.

استعادة التوازن للاقتصاد العالمي امر مطلوب، من اجل انقاذ ما يمكن إنقاذه، في هذه المرحلة الحساسة والصعبة، خصوصا وان الجميع يسير بمركب واحد، وسط تيارات ”كورونا“ العاتية، وبالتالي فان إعادة الثقة مجددا للاقتصاد العالمي، يستدعي تحركات ذات ابعاد دولية، وجهود قادرة على خلق الظروف المناسبة، للمساهمة في التغلب على الاثار التدميرية الكبرى، التي خلفها فيروس كورونا على مختلف القطاعات التجارية، خلال الأشهر الماضية، لاسيما وان عملية عودة النشاط التجاري بحاجة الى الكثير من الجهد، والمزيد من التكاتف العالمي، فالاقتصاديات الدولية حاليا تواجه المصير ذاته.

جائحة كورونا باتت الهاجس الكبير، في مختلف الاقتصاديات العالمية، فهي تسابق الزمن للخروج من حالة ”الشلل“ شبه التام، الذي تشهده الحركة التجارية، خصوصا وان استمرار الوضع الراهن يزيد من الخسائر الفادحة، ويسرع اعلان افلاس الكثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، نظرا لعدم قدرتها على تحمل الالتزامات المالية، الناجمة عن تعطل النشاط الاقتصادي، وبالتالي استعادة العافية لجسد الاقتصاد العالمي، مرهون بالخطوات المتسارعة للتخلص من الوباء القاتل، لاسيما وان الوعود المتكررة بقرب اكتشاف لقاح لمكافحة فيروس كورونا، لم تترجم على ارض الواقع خلال الأشهر الماضية، مما يضاعف من الأعباء على الاقتصاد العالمي.

صعوبة التكهن بمرحلة ما بعد ”كورونا“، وكذلك الافتقار للسقف الزمني، لعودة الاقتصاد العالمي للعمل مجددا، عناصر أساسية في تزايد المتاعب في جسد الاقتصاد الدولي، فالكثير من اقتصاديات الدول باتت غير قادرة، على الاستمرار في تعطيل الحركة التجارية، نظرا للاثار الكثير على الاقتصاديات الكلية، وكذلك على المجتمعات البشرية، خصوصا وان فقدان الوظائف يولد مشاكل اجتماعية كبرى، مما يستدعي التحرك الجاد لمعالجة تلك الاثار الاجتماعية، سواء على المدى القريب او البعيد.

تفاوت القراءات المتعلقة بطبيعة الاقتصاد العالمي، بعد انقضاء ازمة ”كورونا“ تزيد من التعقيدات، وتفاقم الأوضاع في بينة الاقتصاد الدولي، خصوصا وان الغموض وعدم وضوح الرؤية، يجعل عملية المعالجات مرحلية او مؤقتة، وبالتالي فان الاقتصاد العالمي سيواجه الكثير من التجارب على الإقليمي والدولي، بهدف الخروج بحلول عملية لتجاوز تداعيات ”جائحة كورونا“، بمعنى اخر، فان الفترة الحالية بمثابة مخاض حقيقي يواجه الاقتصاد العالمي، مما يستدعي وضع جميع الخيارات، والتعامل مع كافة الاحتمالات، من اجل الحصول على الإجابات المناسبة، خصوصا وان هناك الكثير من النظريات ما تزال تتفاعل بشكل يومي، بعضها يتحرك باتجاهات واضحة، والبعض الاخر يتخبط شمالا ويمينا، مما يستوجب الوقوف مليا قبل الانخراط، او الوقوف مع تلك النظريات، لاسيما وان مخاض ”كورونا“ ما يزل قائما، وبحاجة الى فترة زمنية لاستكشاف الأوضاع، والتعرف على طبيعة الاقتصاد العالمي، بعد اختفاء كورونا.

كاتب صحفي