آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

كورونا يحول دون تشييع الأخيار

ليلى الزاهر *

كلما تصفحتُ وسائل التواصل الاجتماعي ظهرتْ لي صورته و بجانبه من يتألم بصمت.

تساءلتُ من يكون ولكن سؤالي ليس بضائره ، فالراحل الناشط الاجتماعي نعيم المكحل كان معروفا بلا شك.

الجميع يتناقل خبر رحيله بصرخات غير مسموعة ودموع غير منظورة ربما كان ذلك تشييعا في القلوب ؛ لأنني لو كنت راسمةً لمراسيم تشييع الفقيد الراحل الحاج نعيم لابد أن أنقلُ لكم صورة لجنازة مهِيبة تتناقلها الأيدي بحزن وبكاء ، ويصلي خلفها الحشود من الناس ، يتخللها الألم وثناءات اللسان بالذكر الحسن.

و هذه المُحصَّلَة التي خرج بها الحاج نعيم لابد أن تكون أحد مراكب النجاة اتفاقا مع قول الإمام الصادق:

«حُسن الخلق أحد مراكب النجاة»

‏وجميعُ المواقفِ التي تمرّ بشريط حياته مع الآخرين هي في الحقيقةِ إجابةٌ لجميع التساؤلات التي تمرُّ بأذهان من لايعرفه حق المعرفة.

رحل الحاج نعيم ورحلت معه طاقته الإيجابية التي كان ينشرها هنا وهناك مداعبا ملاطفا ، محبّا للخير ، وكان توقيت رحيله على مشارف الشهر الفضيل وفي زمن كورونا حيث لامجالس عزاء تُذكر ولا صراخ يعلو سوى صراخ القلب المُدَوّي.

فماذا فعل بنا كورونا؟!

باتت حياتنا صامتة وشوارعنا تقفر من المارة وأمواتنا الأخيار نعجز عن تشييعهم ، ولكن العزاء الوحيد هو أعمالهم الصالحة التي تسبقهم لقبورهم وتنتظرهم هناك في منازل الآخرة.

يقول الرسول صلى الله عليه وآله:

«إن المؤمن ليدرك بحُسن خلقه درجة الصائم القائم»

حقيقة إنّ للموت حضارة يبنيها المؤمن استعدادا للمضي عن ساحة الدنيا وأحد أعمدتها الناهضة هو العمل التطوعي والاجتماعي الذي يصبُّ في خدمة الناس ويتفانى في مساعدتهم بالكلمة الحانية والعمل الصادق ، وإذا بحثتَ في قواميس عُشاق العمل التّطوّعي سوف تجد صورًا تتنفس صدق أصحابها. وفي صفحات هذا القاموس يسطع بين يديك لغويات جميلة يرويها حشد كبير من أسمى معاني:

‏الاحترام ، الشكر ، الفضيلة، الكرامة ، الضمير ، أداء الواجب . جميع تلك المعاني القيّمة شقّت طريقها لتساهم في بناء حضارة الموت التي سوف تتجسد أمام أصحابها في يوم لاينفع فيه غير العمل الصالح.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ البقرة «156»

خضوعا لإرادة الله تعالى يغادر الأخيار أماكنهم في الدنيا وامتثالا لمشيئته تعالى يمشون نحو قبورهم.

‏ولكن الموتى لايغادرون بسرعة وحضورهم الصامت في وجوه أحبابهم يجسّد ذكراهم في القلوب فنحنُ نشعر بالسعادة عندما نصادفهم فجأة في وجه أخ أو أخت أو ابن أو أيّ قريب لهم.

‏اترك صفحتك زاهية بألوان الجمال ، سوف يكون لك نصيبك من الحبّ ميّتًا كنتَ أم حيّا.