آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

تنبؤات درامية أم سينما متواطئة «20»

عبد العظيم شلي

كم هي الرسائل الملتبسة والحورات المرتابة التي حواها فيلم «12 قردا/ Twelve Monkey» إنها رسائل مربكة ومحيرة طوال سيناريوهات الفيلم، ويفصح مشهد ما قبل اقتحام كول مأدبة لعلية القوم عن كشف الوجوه المزدوجة، حيث صدح المكان بمحاضرة لوالد ذاك الشاب الذي تعارك معه كول، إنه شخصية علمية مرموقة مختص بعلم الفيروسات وحائز على جائزة نوبل. وأمام الوجوه النافذة في السلطة، تحدث اليهم عن خطيئة تجيير العلم لأهداف غير أخلاقية، محذرا من الآثار السلبية للتكنولوجيا في تخريب كوكب الأرض، عبثية من صنيعة يد الانسان العدو الأول للطبيعة، متسائلا أمام الحاضرين بشكل مبطن، هل نستطيع مراجعة أنفسنا قبل فوات الأوان.

اتضح فيما بعد بأن هذا العالم الشهير وابنه الشاب قوينز، هما من ضمن جيش 12 قردا، وخطتهم قتل 5 مليارات من البشر، بفيروس مصنع!، والهدف من وراء هذا الجنون، انتمائهم لجماعة تدافع عن البيئة، بيئة حسب ظنهم ذاهبة للإضمحلال، من أثر طغيان تجريفها تصحرا وتوغل النظام الصناعي والاستهلاكي النابذين للتربة والمناخ. وهوس يلفهم بالدفاع عن حقوق الحيوان، وأمنيتهم أن يعيدوا للطبيعةجمالها، ليروا رونق الأشجار منتصبة شامخة، وتعود للغابات كثافتها المعهودة، ولتبقى الحيوانات تسوح في كنفها بحرية تامة، وحتى يتم ذلك لابد من الخلاص ممن دنسها بإجرامه ودمّر الأرض باقتلاع الغطاء الأخضر ومارس الحرق والدفن وبث السموم وأشاع قبح المنظر، حلمهم إعادة حياة الأشجار والنباتات لسابق عهدها، وحتى يروا ذلك، نصبوا فخاخ الإستهداف برحيل الآثمين إلى الجحيم!.

لقطات درامية تتصاعد، ومشاهد تنتقل بين أزمنة وأمكنة وشخصيات يلفها الغموض والتقمص بين الخير والشّر، وبين العقل والجنون، وتختلط الأمور وتتعقد في أجواء غرائبية. هذيان البطل وصراخه وفزعه من وجه الدكتورة مألوف عندها، والتي اصبحت تلازمه كظله وهو الراكض طوال الوقت دون كلل أو ملل لتعقب الأشرار، حوصر ذات مرة من قبل رجال الأمن وسط غابة في جو ليلي، وفجأة يفلت منهم بطريقة عجائبية كأنه لبس طاقية الإخفاء، وأيضا يرتكب حادثة قتل في أحد الفنادق ويحاصر من رجال الشرطة، ويفر من المكان كحلم يترائ له في المنام.

في اللحظات الأخيرة من الفيلم وفي أرض المطار تنكر كول بلبس نظارة سوداء وباروكة وشارب مستعار، الصقته له الدكتورة لكي لا يعرف من قبل رجال الأمن، وقام الإثنان بتتبع الوجوه بحثا عن الشخص الخطر الذي يحمل حقيبة يدوية بداخلها الفيروس المصنع، وهو عالم كيميائي ضمن المجموعة السرية، فقد روا صورته منشورة في صحيفة موضوعة على «الكاونتر» وإعلان يشير بأنه سيقوم بجولة بحثيةحول العالم، جنّ جنون كول حينما علم بقرب موعد الرحلة، فهب مسرعا وبحركات فوضوية ومطاردات بين صفوف المسافرين ليحاول أن يمسك بالرجل الشرير قبل أن يصعد للطائرة، وبينما كول ينطلق مسرعا ليصل للبوابات الأخيرة ضاربا نداء الموظفين ومتجاوزا بوابة التفتيش، أطلق عليه أمن المطار النار وأردوه قتيلا، تصرخ د. كاثرين وتركض وترتمي بجواره وتمسك بيد كول وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.

وهنا تعود صورة الطفل المرعوب من منظر القتل، ذات المشهد المفزع الذي بدأ به الفيلم في لحظاته الأولى والفتاة التي تصرخ هي ذاتها الدكتورة بشعرها الذهبي، مسك الأب يد الطفل وتحرك برفقة والدته مغادرين صالة المطار، وصعدوا لسيارتهم ومن النافذة ينظر الطفل بأسى نحو السماء يرقب الطائرة التي أقلعت للتو وعلى متنها رجل يحمل الكارثة التي ستحل بالبشرية.

كان الطفل هو ذاته كول نفسه، فقد شهد موته بنفسه وشهد فناء العالم!!.

هل فشلت الذاكرة في استرجاع ذاكرة ما قبل الخراب!؟

جاء في وصف الفيلم: ”فيلم 12 قردا يناقش قضية فناء البشر من منظور قاتم ولا يعتمد على الإثارة والتشويق أو الرعب ولكن الفكرةالفلسفية عن الصواب والخطأ وطريقة الحكم على الأمور، والفرق بين العقل والجنون، هي ما أعطى الفيلم قيمته“.

وحقيقة الطرح الفلسفي والفكرة أساسا مستندة من الفيلم الأسبق الرصيف ”حاجز الماء“، لكن الدهشة والغرابة والإبهار وعمق الرؤية تسكن الثاني، وهنا يكمن أحد تعاريف الإبداع.

وعند بداية فيلم Twelve Monkeys كتب على الشاشة الآتي: " توفي في عام 1997خمسة مليارات شخص بسبب فيروس مميت، وغادر الناجون سطح الكوكب، ليصبح العالم مرة اخرى تحت سيطرة الحيوانات.

مقتطفات من مقابلة مع مريض مصاب بالذهان الفصامي، مستشفى مقاطعة يالتيمور في 12 نيسان 1990". في جائحة كوفيد 19 ازدادت الحيوانات السائبة تجوب الشوارع الساكنة، لا أحد في الدروب يشاغلها، تتحرك بحرية وأمان، البشر مختبؤن في منازلهم، والمشهد ذاته جسده فيلم 12 قردا قبل 25 عاما، لحيوانات تعيش في المدن الموحشة، تتحرك بحرية في الشوارع المهجورة وكأن بني آدم كائن انقرض من الوجود، بعد أن غادر الحياة مليارات من البشر، قلة قليلة اختبأت تحت الأرض. أي تنبؤ بشرنا به الفيلم نحو وباء آتى الينا، يحاصرنا من جميع الجهات، كاتم على الأنفاس وشل جميع سكان الأرض، هل ما نحن فيه بفعل حيوان ناطق أم غير ناطق!؟.