آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

لبينا... سمعًا لندائك يا وطني

عبدالله الوابلي * مجلة اليمامة

حين تشرق الشمس تصدح البلابل. وعندما يسقط المطر تحيا الأرض.

على وقع تداعيات جائحة «كورونا كوفيد - 19» غنت كوكبة جميلة من أبناء «محافظة القطيف» الأوفياء لوطنهم الكبير» المملكة العربية السعودية» وصدحت بعمل فني بديع ومتكامل من حيث الكلمات واللحن والتوزيع والأداء والتصوير والإخراج، مرددة «يا بلادي سارعي»، ولجمال وعذوبة وعمق وفصاحة كلمات «الأوبريت»، أجدني جذلانًا طربا فأردد مع الحُداة:

لبينا سمعًا لندائك يا وطني

يا بلادي سارعي وخذي أدوارك في العلياء

يا بلادي سارعي واسعي للمجد بنا سعيا

يا بلادي سارعي يا درة أمصار الدنيا

يا بلادي سارعي أبدًا تحيين كي نحيا

يا درعًا يا حصنًا وأمانًا في الأزمات

وسياجًا وسراجًا نحمله في الظلمات

يا بلادي سارعي أبطال الأزمة تحميك

يا بلادي سارعي نصبوا الأعمار لتفديك

يا بلادي سارعي صدقوا العشق وبروك

هنا ومن باب الوفاء لهذه الفرقة المبدعة ولمن خلفهم من الرجال المخلصين لقيادتهم الراشدة، ولوطنهم الغالي ولمجتمعهم العزيز، أراني مضطرًا للاعتراف بفضلهم وتدوين أسمائهم الكريمة، حيث تَجَمَّل الشاعر حبيب المعاتيق في هذا الأوبريت تَجَمُّل الأوفياء، وصب في حوض الوطن أبياتًا رشيقة، وسكب في أذن الزمان عبارات عذبة، تراقصت كغيد حسان على شفاه المنشدين. صاحب فكرة الأوبريت وملحنه الأستاذ / حسين عرب أجاد وأبدع وترجم هذه الأبيات بلغة موسيقية عذبة، فأغرانا بالصعود في السلالم الموسيقية برفق، ثم رفعنا لحد الأفق لنطل على الوطن الكبير بجميع أحاسيسنا وبكل الاتجاهات. أما المنشدون» وسام شعبان، وأشرف المحسن، ومنتظر الصويلح، وعمار قريش، وحسين الحمادي، ومحمد المطوع» فقد شَدَوا كحداة عيس في فلاة واسعة لتتجمع الإبل حول مورد الماء المتمثل بالوطن المعطاء. كان لمؤسسة «ريكوردينج» يد طولى في تصوير ومونتاج وإخراج وتمويل هذا المزمور - الأخاذ - الذي سيتردد صداه في كافة أصقاع الوطن، ويشحذ همم المواطنين لبذل المزيد من المحبة والعطاء.

لا شك أن هذا «الأوبريت» الجميل لم يظهر صدفة، ولم يخرج من فراغ، بل ولد من رحم مجتمع وفي، وترعرع في بيئة خصبة، إنه مجتمع «القطيف» هذه المحافظة الحالمة على ساحل الخليج العربي والضاربة في عمق التاريخ، والتي لها من اسمها النصيب الأوفى من الوطنية والجمال والإبداع.

محافظة تشهد تألقًا ثقافيًا متميزًا، عابرًا للإقليمية والطائفية والعنصرية، نشاطًا لا يقف إلا عند حدود الوطن. تحتضن هذه المحافظة النابضة التي لا تتثاءب أكثر من «25» منتدىً وملتقىً ثقافي وأدبي، منتشرة في مدينة «القطيف» وفي مدينة «صفوى» وفي مدينة «سيهات» وفي مدينة «العوامية»، بعض هذه المنتديات عام ومتنوع، والبعض الآخر متخصص في السرد والشعر والفنون، وبعض منها ملتقيات حوارية شبابية جادة، إضافة إلى العديد من الملتقيات الثقافية الافتراضية. هذه المنتديات لم ترجن على أبناء «المحافظة» دون غيرهم، ولم تقتصر على مثقفي «المنطقة الشرقية» فقط، بل هي منفتحة على جميع مكونات الشعب السعودي، وحريصة كل الحرص على استضافة مشايخ وأدباء ومفكرين من كافة الأطياف الثقافية، ومن جميع مناطق المملكة، وقد كرمت سوادهم، وأبرزت العديد من إبداعاتهم.

تحتضن هذه «المحافظة» عدة مكتبات - خاصة - لأبرز العلماء والمثقفين، يضم بعضها عشرات الآلاف من الكتب والمصادر التاريخية، ومن بينها «مكتبة جدل» للأستاذ علي الحرز، و«مكتبة الشيخ حسن الصفار» و«مكتبة الشيخ عدنان أبو المكارم» و«مكتبة الشيخ سعيد أبو المكارم»، و» مكتبة الأستاذ نزار العبدالجبار»، وفي هذا الصدد لابد من الإشادة بكل التقدير والإعجاب ب «منتدى الثلاثاء الثقافي» بالقطيف، صاحب العشرين ربيعًا، المترعة بالوطنية، والطافحة بالحراك الثقافي والأدبي والفني، الذي ينشط تحت إشراف مؤسسه المهندس جعفر الشايب، هذا الرجل المضحي بصحته وجهده ووقته وماله في خدمة مشروعه التنويري الكبير، هذا الرجل الذي وضع قلبه المثقل بهموم الوطن في يد، وفي اليد الأخرى يرفع شعلة الوعي والتنوير. كما أود الإشادة ب «منتدى مجلس الأستاذ سعود الفرج الأدبي في العوامية» الذي تأسس في عام 1424 هـ على يد ثلة من الأدباء والشعراء، ولا يزال هذا المنتدى متألقًا كشعلة نشاط لا تنطفي. ملتقى «ابن المقرب» الذي يضم في عضويته عددًا من الأدباء والأديبات برعاية المهندس المثقف السيد هاشم الشخص أحد رجال الأعمال في مدينة «سيهات» من خلال هذا الملتقى تنظم المنتديات الحوارية، وتقام الاحتفالات بالأيام العالمية للغة العربية والشعر، كما يتم طباعة نتاجات أعضائه الأدبية والشعرية والقصصية. وهناك في «صفوى» - تلك المدينة الرائقة - منصة الجمعيات التعاونية والخيرية، عدد من المنتديات والمجالس المعاصرة والتأريخية، والفعاليات الاجتماعية لا يتسع المجال لاستعراضها في هذا المقال - الصحفي - المحكوم بعدد محدود من الكلمات.

وطالما أن الحديث عن محافظة «القطيف» وأصالتها وعمقها الوطني فلابد أن نُذَكِّر بالموقف التاريخي الذي سطره علماء «القطيف» وأعيانها - الذين كانت لهم يد سلفت في البطولة والوطنية - ففي عام 1899م قام المعتمد السياسي لبريطانيا في البحرين بزيارة لأحد كبار أعيان القطيف الشيخ «منصور بن جمعة» وعرض عليه الحماية تحت التاج البريطاني، فرفض «ابن جمعة» العرض جملةً وتفصيلا. وفي عام 1905م قامت بريطانيا بمحولة أخرى، وقدمت هذا العرض لكبير أعيان سيهات المرحوم» حسين بن نصر» الذي - هو الآخر - رفض العرض وأطلع «ابن جمعة» عليه والذي بدوره أكد رفضه للمرة الثانية. وفي عام 1907م نزل المقيم البريطاني في الخليج «بيرسي كوكس» ضيفًا على «ابن جمعة» في قصره بالقطيف، وطلب منه الموافقة على عرض «بريطانيا» له بالاستقلال، لكن «ابن جمعة» أصر على أن شعوره الديني يمنعه من الانضواء تحت دولة غير مسلمة. وفي عام 1908م عاودت بريطانيا الكرة مرة أخرى، وقامت بإرساء الفرقاطة «لابوينغ» في «رأس تنورة» رافعة هناك العلم البريطاني، لتضع مشايخ القطيف وأعيانها ومنهم الشيخ «علي بن حسن الخنيزي» والشيخ «منصور بن جمعة» أمام الأمر الواقع، فرفض المشايخ والأعيان - بشعور عالٍ من المسؤولية - الدخول تحت الحماية البريطانية لكون بريطانيا دولة غير مسلمة، وبادر الأهالي بإنزال العلم البريطاني من على السارية والتخلص منه. وبعد رفض عروض بريطانيا استقبل مشايخ وأعيان «القطيف» مندوب الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - «عبدالرحمن بن عبدالله بن سويلم» الذي كان يحمل عرضًا من الملك عبدالعزيز لحماية «القطيف» من الأطماع الأجنبية وإلحاقها بالدولة السعودية - الفتية - فقبلوا العرض - دون تردد - على أساس أن الدولة السعودية دولة مسلمة، فدخلت «بلاد القطيف» وحاضرتها بتاريخ 15مايو 1913في كنف الدولة السعودية المباركة، وعلى إثر هذا الاتفاق - التاريخي - تبخرت مع بخار مياه الخليج العربي جميع أحلام «الإنجليز» ببسط نفوذهم على «القطيف»، وخرجت الحامية التركية من «القطيف» إلى غير رجعة.

والآن ونحن في هذا العهد الزاهر المتوثب نحو المستقبل، نشاهد محافظة «القطيف» بحراكها الوطني الرصين، وبمواقفها التاريخية المجيدة، وبانتمائها العميق لهذا الوطن الغالي، وبولائها التام لقيادته الرشيدة، تقف ضمن منظومة مدن ومحافظات ومراكز» المنطقة الشرقية» إلى جانب شقيقاتها بقية مناطق ومدن ومحافظات المملكة صفًا واحدًا ودرعًا حصينًا، مرددين «لبينا سمعًا لندائك يا وطني» تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، رعاهما الله، وحفظهما ذخرًا للوطن ودعمًا للأمتين العربية والإسلامية، وسندًا للعالم أجمع.