آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

الحسن الزكي، ذرية بعضها من بعض

ليلى الزاهر *

المُتصفّح سيرة الإمام الحسن الزكي سوف يصادفه الإحساس المرهف للخطيب الذي يصول ويجول في ميادين البلاغة فلاغرو فقد نشأ في مُعترك المفاخر، واستنشق عبير الكلم الطيب، فلم يترك فضيلة إنسانية ولا أدبا اجتماعيا إلا وتطرق إليه. فكان المتحدث المُفَوَّه والواعظ الذّلِق، ماترك نُصحًا إلا وفاض فيه ولا فضيلة إلّا زانها بالحديث عنها، وقد أفرد الكتّاب العديد من المؤلفات للحديث فيها عن خطبه ورسائله وكلماته القِصار .

كما حرص الإمام علي أن يُظهر شخصية الإمام الحسن للناس فأمره أن يخطب فيهم كي يُشرق بيانا وتنجلي شخصيته ذات الارتجالية الطبع، التي تُخبئ عواصف الحروف دون تكلف فقام خطيبا فيهم وحمد الله وأثنى عليه وقال:

«أما بعد: فإن القبور محلتنا والقيامة موعدنا والله عارضنا وإنّ عليًا باب من دخله كان آمنا..»

فقام الإمام علي فقال له: بأبي أنت وأمي، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.

لذلك لم تنقص الإمام الحسن الحجة التي تشفي غليل السائلين وتدحض كلّ مجادلٍ له بتبنيه نهج الرسالة السلميّة وهو الإمام المعصوم الأشبه بنبي الرحمة إذ لم يكن أحد في زمانه أشبه بالنبي منه قولا وفكرا، هذا فضلا عن شهادة جدّه ﷺ عندما قال: «من أراد أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن بن علي»

لذلك عندما جاء الإمام الحسن بعد والده وأراد أن يُمسك بزمام الأمور واجهته الكثير من الملابسات أهمها أنّ الخلاف كان خلافُ بيت مع بيتٍ، أمويين مع هاشميين، وهذا الخلاف بلاشك ليس معركة عامة، لذلك فأنه كان يدرك تماما أن الصلح مع معاوية طريق الخلاص من الدماء، كما أنّ معركته معه مستحيلة الانتصار مع وجود قاعدة جماهيرية كبرى لاتمتلك إيجابية المبدأ ومتطلبات التغيير الاجتماعي.

إن الإمام الحسن سلام الله عليه حلّق بانتصاره في قلوب محبيه، وظلّ في نفوسهم الإمام المعصوم المفترض الطاعة في زمانه، في الوقت الذي أغلق فيه جميع أبواب الفتنة بعقله الراجح وليس كما وصفه بعض المؤرخين بوضعه في دائرة الراحة.

إننا إذا توقفنا عند كل كلمة من كلماته فلن ندرك الأيام إلا وهي حُبلى بفضائله وعظيم صفاته. وحقٌ على كل كاتب ومتبحّر في البحث إنصاف الإمام الحسن ولو بوقفة يسيرة على سبيل الامتنان لأهل بيتٍ أنار جدّهم ﷺ دروبنا المقفرة وبنورهم نستضيء وتحت خيمتهم يُحترم الوعد المقطوع.

«شُعلةٌ سرت من الحجاز فأنارت الشّام والعراق ومصر..» وسائر الأمصار لم يعرف لها التاريخ غير السؤدد والشرف.