آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

شهر المغفرة «15»

محمد أحمد التاروتي *

تلعب القدوة دورا حيويا في تحريك المشاعر الإنسانية، باتجاه تجسيد القيم الأخلاقية والسلوك السليم، بحيث تتبلور على الصعيد الخارجي، من خلال الاحتكاك المباشر مع الاخرين، مما يكسبها المزيد من الاختراق في البيئة الاجتماعية، والكثير من الاحترام والتوقير، لدى مختلف الشرائح، وبالتالي فان القدرة قادرة على خلق تموجات في احداث تحولات، في المنظومة القيمية والأخلاقية في المجتمع، ”لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ“.

محاولة الاحتكاك بالقدوة احدى الخطوات، لاكتساب بعض القيم الأخلاقية، فالمجتمع الذي يتحرك باتجاه التغيير، بحاجة الى المزيد من التواضع، الكثير من الالتصاق بالقدوات، خصوصا وان القدوة ترسم طريقا واضحا في ترميم الكثير من الاخلاق السيئة، وانتزاع المجتمع من مستنقع التخلف، الى واحة النهوض بشتى أنواعها، ”و انك على خلق عظيم“ و”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق“ وبالتالي فان منظومة القيم التي تجسد القدوات عنصر جذب في جميع الأوقات، فالقيم الأخلاقية مغناطيس لالتفاف المجتمع حول القدوة.

بالإضافة لذلك فان المعرفة الحقيقية للقدوة، تمثل المدخل للاستفادة منها بالطريقة المناسبة، ”ارحموا عزيزا ذل، وغنيا افتقر، وعالم ضاع بين جهال“ وبالتالي فان الاعتراف بالفضل للقدوة، والعمل على تكريس تلك المعرفة على ارض الواقع، يساعد في تحريك النفوس التائقة، للحصول على المعرفة للاستفادة المثلى، خصوصا وان الجهل بالقدوة يدفع لاتخاذ موقف الرفض، والدخول في معارك شرسة ”وَقَالُوا مَالِ هَ?ذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ? لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا“ ”وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ? وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ“، بمعنى اخر، فان القدوة ليست قادرة لوحدها في وضع المجتمع، على السكة السليمة بدون وجود قابلة لدى الطرف الاخر، حيث تشكل القصص القرانية درسا بليغا بضرورة امتلاك المعرفة للاستفادة من القدوات، فالرفض الشامل للاقوام الكافرة ساهم في نزول العذاب عليها، وعدم الاستجابة للنصح والتبليغ من الرسل .

وجود قدوات عنصر أساسية في تذكير المجتمعات، بضرورة الاستفادة منها على الدوام، باعتبارها شمعة لاضاءة الطريق باستمرار، بيد ان المشكلة تكمن في الاستعداد النفسي لدى الطرف الاخر، وبالتالي فان المجتمع يشكل الركن الأساسي، في تطبيق الكثير من المعارف والقيم الأخلاقية، ”فوالله لقد نَهَضْتُ فيها وما بلغتُ العشرين، ولقد نيّفتُ اليومَ على السّتين، ولكن لا رأيَ لمن لا يُطاع“ ”صَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللَّهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ لَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَنِي بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةَ مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلًا مِنْهُمْ“ وبالتالي فان القدرة تقف أحيانا عاجزة امام الجهل الكبير، وعدم وجود المعرفة الحقيقية بقيمة القدوة في البيئة الاجتماعية، مما يجعلها - المجتمعات - تتخذ مسارات مختلفة تقودها الى الطريق المسدود في نهاية المطاف.

الجهل يلعب دورا في حرمان المجتمعات من علوم القدوات، فالقدوة بحاجة الى عناصر قادرة على استيعاب تحركاتها على الأرض، خصوصا وان الجهل يولد ردود أفعال كارثية، وأحيانا انتحارية، نظرا للقصور في ادراك الأغراض الحقيقية، وراء بعض الاعمال الصادرة من القدوات، الامر الذي يتحمل في انتهاج سياسية الاغتيال ”الاجتماعي“ عبر اجبار القدوات على الانزواء في المنازل، ومنعها من ممارسة دورها وفقا للقدرات، والإمكانيات التي تمتلكها، فهناك الكثير من التجارب التاريخية التي ساهمت في وأد القدوات، نتيجة المواقف غير المسؤولة والانفعالية، من البيئة الاجتماعية.

ولادة الامام الحسن في منتصف شهر رمضان المبارك، تكشف المعاناة الكبرى التي واجهها من المجتمع الإسلامي، فقد وجد مجتمع غير قادر على الاستجابة لطريق النجاة، الامر الذي تمثل في اتخاذ مواقف مختلفة، تجاه الصراع من معاوية بن ابي سفيان، مما ساهم في الدخول في الصلح والتنازل عن الخلافة، خصوصا وان القرارات التي اتخذها الامام الحسن ، للوقوف امام مطامع معاوية، لم تجد الاستقبال المناسب، نظرا لغياب الوعي الكامل لدى غالبية لدى بعض الأمة الاسلامية، وبالتالي فان سيرة الامام الحسن مصداقا للانفصال الكامل، بين القدوة والمجتمع وغياب الرغبة في الاستفادة من القدوة بالطريقة المثلي.
"أيُّها النّاس، إنَّ هذا الشّهر شهرٌ فضَّله الله على سائر الشُّهور كَفَضْلِنا أهلَ البيت على سائر النّاس. وهو شهرٌ يفتَح فيه أبواب السَّماء وأبواب الرّحمة ويُغلق فيه أبواب النِّيران".

كاتب صحفي