آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

ليلة القدر

عبد الرزاق الكوي

يقبل على المسلمين في أقطار الأرض مناسبة ليال القدر العظيمة وهم يعيشون محرومين من القيام بهذه الشعيرة المقدسة بعيدا عن أماكن العبادة والمساجد، وهي مناسبة جليلة وقيمتها في اجتماع المؤمنين والقيام بهذه المناسبة بشكل جماعيا، وهي مناسبة حريا أن يستعد لها المؤمنين نفسيا رافعين أكفهم بالدعاء أن يسلم هذا البلد وأهله من كل سوء وكافة العالم من شر هذا الوباء.

قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.

سميت ليلة القدر لأنها الليلة التي يحكم الله فيها ويقضي وبما يكون في السنة بأجمعها إلى مثلها من السنة القادمة، من حياة وموت، وخير وشر، وسعادة وشقاء.

﴿حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِنْ عِندِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ.

نزل فيها القران الكريم، «ما أدراك ماليلة القدر» لبيان العظمة والمكانة والقدسية تستعمل «وما أدراك» في المواطن التي لا تحتمل العقول معناها وعظمتها، تقترب فيها السماء من الأرض رحمة وقرب للمخلوق من خالقه جلا وعلا، تتفتح أبواب السماء، عطاء ولطف من الله تعالى على عباده بهذه الليلة المباركة، من يتقدم خطوة نحو ربه، يتقدم الباري جلا وعلا نحوه خطوات، يتحول فيها العابد إلى مصاف الأتقياء والصالحين، تتكامل فيها الشخصية وتسمو فيها النفس.

يقول الرّسول الكريم ﷺ: من أحياها ”إيماناً واحتساباً، غفر الله ما تقدَّم من ذنبه“، ”ولو كانت عدد نجوم السّماء، ومثاقيل الجبال، ومكاييل البحار“.

فالسعيد من يمهد لنفسه للدخول إلى رحاب الله سبحانه وتعالى، والتهيؤ والإستعداد والعمل الجاد بإحياء سيدة الليالي ليلة القدر بالتفرغ التام للعبادة، فالنتيجة عمل ليلة واحدة خير من عمل ألف شهر.

لها قدر خاص وقيمة عالية، واستقبال ما في هذه الليلة من رحمة إلهية، وفضل لا يعرف قدره، ولا يحاط بسعته. أن يضع في هذه الليلة رحله على أعتاب الجنة، فساعات هذه الليلة محدودة وتمر سريعا وكل دقيقة من دقائقها بألف دقيقة، أن يدخل العابد في هذه الليلة مثقل بالذنوب ومن الأشقياء، ويخرج منها بأفضل حال ويكتب من السعداء، بمجرد ساعات قليلة أخلص فيها الدعاء، وكانت النية صادقة، فيصفو قلبه وتنير وجهه، وفي الآخرة في الجنان.

﴿وَإِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِيْ وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.

دعوة ربانية من كريم تعود على الإنسان العابد بالهدى والصلاح والإستقامة، فكم من الأوقات طوال العام تذهب هدرا، تتعوض برحمة من الله تعالى ورضوانه في هذه الليلة الجليلة القدر، وليس فيها بدل مجهود بدني ولا مادي سوى توطين النفس وتهيئة القلب والإصرار والإلحاح من رب العالمين أن يكون العبد من الفائزين، أن يكون هذا الإستعداد من أول يوم من الشهر الفضيل حتى يصل العبد في ليالي القدر وهو في كامل الإستعداد والقرب، مفعم بالإيمان والخشوع القلبي بالقيام بأعمال هذه الليالي الإستثنائية الفريدة من أجل جني ثمرات وفضائل ليالي القدر المباركة، كما علم أهل البيت أتباعهم من أدعية خاصة بهذه الليالي.

والأدعية الكثيرة التي ترقق القلب وتقرب العبد للطاعة والدخول في جو إيماني تعتبر فيه هذه الأدعية حبل يمتد بين العبد وربه عز وجل، أن يكون هذا الدعاء والإستغفار وطلب العفو من الله تعالى جزء أساسي للأبوين وذوي القربة والأصدقاء وحفظ البلد ونصرة الإسلام وحماية الدين، والأمة الإسلامية وما تتعرض له من فتن وابتلاءات، أن نترفع عن الأنانية وننفتح بروح من المحبة والعطاء في ليلة العطاء والكرم، بهذه النفسية تتحقق أهداف ليلة القدر أن يزرع الحب والتكاتف والمودة في المجتمعات، افضل هدية تقدم هو دعاء صادق من القلب للآخرين ممن نحب عرفان بوجوده في حياتنا، ودعاء صادق لمن نختلف معه أن يهديه الله إلى الصراط المستقيم.